العِلٰة ليست فى الوزير/ باباه سيدي عبد الله
كانت الطلئرة تحلق على ارتفاع عشرين ألف قدم ، وكان صديقي يلح عليّ فى ترك جهاز (الإيباد) والاستمتاع بمتابعة فيلم ( معركة الجيوش الخمسة The battle of the five armies) المتاح ضمن قائمة ترفيه الخطوط القطرية، فى رحلة ليلية من ثمان ساعات متواصلة. طلبتُ من صديقي التكرم بمنحي بضع دقائق لإعادة الإستماع إلى تصريح وزير التعليم العالي حول إلغاء نتائج لجنة المِنح، علّني أفهم – فى السماء- ما عجزت عن فهمه – على الأرض- من كلام الدكتور والأستاذ الجامعي والسياسي المحترم، ضمن فصل جديد من ” العبقرة السياسية” للرئيس التي ” تسهر” حكومة الوزير الأول على فهمها وتطبيقها.
وإليكم ما فهِمتُه على عُلُو عشرين ألف قدم:
أولاً: قبل خمس سنوات كانت هناك معايير واضحة للتنقيط، استوعبها الطلاب واقتنعوا بها، فأصبحوا يُنقطنون لأنفسهم ويقررون مصائرهم ويحسمون أمورهم حيال ثنائية المنْح والمنْع، دون اللجوء لاساليب تنقيط وزارة التعليم العالي،
ثانياً: قرر الوزير تغيير معايير التنقيط، واحتفظ بها لنفسه، أي أن الطلاب لم يأخذوا بها علما فقرر بعضهم – والكلام للوزير- عدم التقدم بملفات إلى لجنة المِنح، لأنهم اعتبروا أنفسهم غير مؤهلين بحكم المعايير سارية المفعول منذ خمس سنوات،
ثالثاً : تنفق الدولة ملياريـ أوقية على مِنٓحٍ لألف طالب موريتاني فى الخارج، ومع هذا تتكرر احتجاجات واعتصامات الطلاب الموريتانيين أمام سفاراتنا للمطالبة بصرف منح متأخرة لشهور متتالية، والواقع أنه ليس بين المنـح والمنـع إلا جِناسُ ” ناقص”، طبعاً، رابعاً : فهمتُ من كلام الوزير أن الدولة قررت – ودائما فى السنوات الخمس الأخيرة- تقليص الإنفاق على المنح ( لولبٓ الوزير يده اليمنى كمن يُدير مِفٓك براغي Tournevis) ليؤكد أن المستقبل “مكزوز”،
خامساً : انسجاما مع توجّه “الكٓزْ” أفصح الوزير عن خطة لتشجيع التكوين العالي المحلي، وهذا أمر جيد ومطلوب، وليس الوزير بِدْعاً فى رفع العقيرة به، فقد سبقه إِليه نائب محترم عضد حجته بشٓر البلية : تكوين الأطباء فى موريتانيا أفضل بكثير لأنهم يطبقون فى بني البشر على أرض الواقع، بينما لا تتاح لهم فى الجامعات الأجنبية إلا دُمًى ( Poupées ) من البلاستيك،
خامساً : العيب ليس فى الوزير الشجاع الذي أقرّ بأنه لم يُطْلع من يعنيهم الأمر على معايير التنقيط الجديدة، ولأنه أقرّ بأن تفتيشا داخليا كشف اختلالا فى عمل لجنة المنح، و على الوزير – حفاظا على مكانته العلمية وتحمّلا لمسؤولياته الوطنية- أن يتخذ ما يناسب من إجراءات إدارية ضد المُخلين من طاقم وزارته،
سادساً : أنصح ” منظّري” المشروع العزيزي المولعين بالعناوين الكبيرة ومشاريع الغول والعنقاء أن يؤجلوا سنة التعليم إلى إشعار جديد، فقد انصرم منها فصل كامل أو يكاد، ولم تلُح فى أفق الفصول الثلاثة القادمة إلا نُذر الفشل وسوء التخطيط. الأصناف المتاحة حتى الآن لتلوينها هي : صفراء- شهباء- بيضاء…. العلة ليست فى الوزير الدكتور.