أبو العباس إبرهام: الحزب والأربعون انتهازي
تاريخياً ظنّت النظرية السياسية الموريتانية (على أساس أن شيئاً كهذا موجود) أن الحزب هو تكتُّل مناضلين يسعون لتنفيذ رؤية. ولكنّها نسيت أنّه لكي يكون الحزب كذلك عليه أن يكون مؤسسة. وعندما يكون مؤسسة فإنّه يُصبح غاية ووسيلة. وفي الأصقاع البدوية يُصبح الحزب بئراً يرِدُه البدو الرُّحل. باختصار إن الحزب ليس عملية فتح رباني، بل هو ساحة لورد الماء والبحث عن الكلأ ولعب “هيبِ جرْ” أو “اكرور” أو حتى “امبِّرْ”.
والأحزاب تصعدُ بمنحىً خلدوني غريب. وهي تبدأ تجمعاً لجماعة من الطهريين ومحتكري الحقيقة الذين لا يمارون في “الله” مراءً، كأنّهم رهبان “تاييس”. ثم تحول الـ(أ)حو(ا)ل ويزداد المؤمنون بالمؤلفة قلوبهم الذين يدخلون الحزب أفواجاً لاعتبارات زعامية وقبلية وافتخارية. وعندما تحدثُ حروب الرِّدة، أو يظهر متنبئ جديد، يراهنون عليه أيضاً. نفس التكتيك. ولا مبادئ لهم؛ بل هم مجموعة من “الملاحة” و”عدّالة الهم” والحفّارين عن الذهب. ولكن المأساة هي أن الحزب يقبل لهم هذا؛ بل إن قبوله لحكِّ الأكتاف مع الانتهازية هو مقاربته الوحيدة، أو الأهم في أحسن الأحوال، للشعبية. ويتحوّل الحزب من مشروع تغيير المجتمع إلى مشروع الالتحاق به؛ وهنا بالذات لا يمكنه، وهو متبوع بتاريخه الانتهازي المعلوم، لوم انتهازييه الصِّغار. كان يضرب الدّف؛ وبالتالي فمن حقِّ أولاده الرّقص. هذا جزء من الزّفة.
والحزب يعرف هذا من البداية لأن العشائر لم تُبايعه تحت الشجرة على السير في كلِّ ما سيسير فيه. بل بايعوه على النفع المشترك؛ لا على الذود وحمي الذمار. وبالتالي فهو لا يملك إلاّ الصمت عندما “يخونه” الأعيان. والحقيقة أن الأمر لا يتعلّقُ أصلاً بخيانة، بل بعقد اجتماعي. الأعيان لا يتركون سوق عكاظ القبلي، وهم مبايعون لـ”الرئيس”، رغم أن حزبهم ينوي إسقاطه. أما الحزب فهو يرضى بشراء اللاعبين بغض النظر عن نوع وطنيتهم حتى يُساهم في الدوري.
الأصنام تُعبد، نعم. ولكنها، وخصوصاً إذا كانت من التمر (أو حتى من “توكَة” الرديئة)، تُؤكل. وفي هذه الحالة لا يمكن إلاّ تمني الصحة العافية والشهية الطيِّبة للضبع في بقايا الحمار، كما ينصح المثل.
عن صفحة الكاتب على الفيسبوك