الحس الأمني.. الغياب المثير/ الولي ولد سيدي هيبه
إن أمنا لا تصنعه الأمة و تصونه الدولة لا يكون.. هذا ما أوحت به خلال الأسبوع المنصرم الحادثة الدبلوماسية التي شبت بين الدولتين الشقيقتين الجارتين الموريتانية و الجزائرية و اللتين يتحتم عليهما أن تسعيا جاهدتين إلى تطويقها حتى تعود المياه إلى مجاريها و ينعم بدفيء الجوار و حرارة التفاهم البلدان اللذان تجمعهما منذ غابر الزمن روابط الملة الواحدة >> في كل جزئياتها و عمق التاريخ المشترك و تداخل المصالح الكثيرة و الحدود الطويلة و غنى الفضاءين المغاربي و الإفريقي علما بأنها حادثة حصلت على خلفية مقال عديم الجدوائية و مغالط إلى حد السخافة و بغير ما سبب يبرره من فوق تراب بلد شقيق و ضمن حيز السفارة التي هي منطقة ذات حرمة و مكانة عالية في الأعراف الدبلوماسية و العلاقات بين البلدان يجب الحفاظ عليها بكل السبل و باعتبار هذا الحضور الترابي عن كثب في الدولة الصيف أقوى دليل على الالتحام و أصدق حجة على صدق التقارب. سور الصين العظيم..مدرسة الأمن شيد شي هوانك دي Shi Huangdi أول إمبراطور صيني سور الصين ليجنب إمبراطوريته شر هجمات المغول البرابرة الذين كانوا على قدر كبير من القوة و البطش. و لم تأتي فكرة بناء هذا الجدار من فراغ بل كانت تنم عن نضج كبير و توسع في مدارك المعارف و إدراك دقيق بأهمية الأمن و الأمان في حدود الحيز الذي يميز أهله دون سواهم للاستقرار به في الحاضر و ضمانه كذلك للمستقبل. فقد انعكس الأمن الذي حصل فيما بعد على الصينيين المطمئنين خلقا و إبداعا و رقة و وداعة و إنتاجية و تميزا فألهموا الغرب كما جاء ذلك في رحلة ماركو بولو”Marco Polo” و أدهشوا المسلمين الذين حثهم دينهم السمح على السعي إلى المعرفة حينما أمرهم بوجوب تحصيل العلم و لو في الصين التي كانت علي بعدها آنذاك معروفة بالأخذ به و التوسع في مداركه و آفاقه. مكن إذا تشييد السور الواقي هذا من القيام على بناء أمن داخلي من خلال شرطة منظمة في العمق و من حوله بتأسيس جيش كبير و قوي يستطيع الرد بجدارة إذا ما اقتحمت حدوده. و قد كشفت البحوث الأثرية التي اهتمت بتلك الحقبة من تاريخ الصين اللامع – و التي أهدت البشرية بعضا من حكمة كنفشيوس”Confucius” و بحرير دودة القز و صناعة الورق و البارود الأسود “La poudre noire” و ما إلي ذالك مما كان للصين الفضل في اختراعه- جيشا كاملا مطمورا تحت الأرض و في حالة جيدة و هو في وضعية سير إلى المعركة يقدر عدده بالآلاف من التماثيل ما بين الجنود الراجلين و بين المعتلين صهوات الجياد و هي بالأحجام الطبيعية مدججين بالسلاح و مرتدين قمصانا مسرودة من حديد و لا تشبه ملامح وجه منهم وجه الآخر. و يدل هذا الاكتشاف المذهل على أن الصينيين كانوا مهووسين بأمن وطنهم و الحفاظ علي خصوصيتهم. و قد بلغ طول الجدار، الذي دخل بل و أحاط التاريخ بقلاعه و ممراته – و هو السور العظيم الذي إن مر بالعالي يعلو تسلقا و إن اعترضته الوديان يجتازها وثبا – أزيد من خمسة آلاف كيلومتر و هو ما جعله بهذه العظمة إحدى معالم الأرض القليلة التي تمكن رؤيتها من الفضاء و تحديدا من داخل محطة الفضاء الدولية (International Space Station) وتختصر(ISS)* التي كانت ذات يوم “ميرMir” السوفيتية. و تنضح حكم الصين بكل مفاهيم الأمن حتى أن الصينيين اهتموا بالأمن الغذائي حيث يقول مثلهم الشائع ” إذا أعطيت احدهم سمكة فقد أمنت له قوت يوم و إذا علمته كيف يصطاد السمك فقد أمنت له قوته أبدا”. و يبدو جليا أن هذا المثل لا يقف عند حد إبراز أهمية الأمن وحده بل و يتجاوزه إلي إبراز أهمية العمل على خلقه و الحفاظ عليه. و قد وصل هوس الأمن بالصينيين إلى درجة أن ملوكهم و أباطرتهم ارتكبوا باسمه أخطاء فادحة تسببت في بعض المآسي للصينيين، و إلى حد إنشاء مدينة للإمبراطور دعيت بالمحرمة لحرمة دخولها إلا على خدم ذكور خصيان لا يبرحونها حتى الموت، مدينة أسوارها عالية و أبوابها كبيرة و موصدة. و لم يتسنى للشعب الصيني بعد مئات السنين من الحرمة دخولها إلا في عهد الاستعمار الياباني و الحكم الشيوعي من بعده. و قد ألهم الصينيون الكثير من شعوب العالم و الشعوب الأوروبية على وجه الخصوص حتى تبنوا تشييد الأسوار حول المدن و حول القصور و رفع البروج العالية للمراقبة منهجا عمليا لتجسيد الأمن و طوروا وسائل الدفاع لرد الغزاة الطامعين. و قد مكنهم هذا الوعي الأمني من ضبط حدودهم وخلق الاطمئنان لدى مواطنيهم مما حرر طاقاتهم و إبداعاتهم في كل الحقب التي تتالت حتى اليوم لتتجسد واقعا علميا يرفلون اليوم في حريره و يغيظون به أعداءهم و يساعدون و يؤازرون أصدقاءهم. تأمين الأرض على حساب البحر تعتبر هولندا أو البلاد الواطئة أو المنخفضة لمحاذاتها لمستوى البحر مثالا للإرادة القوية للرجال الذين يبنون الأوطان و يؤمنون سكانها بكل أوجه الأمن و الأمان. فلقد بدؤوا حين وضعت حروب متتالية أوزارها و رفعت الوصاية الفرنسية و الأطماع الألمانية خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر و قرر الهولنديون بقيادة الأمير غيوم”Guillaume” الذي نصب ملكا سنة 1815 أن لا يظلوا موزعين بين كيانات متفرقة و أن يجمعوا شملهم في أرض تكون لهم وحدهم. و إذ لم يكن لتحقيق ذلك من الأرض ما يجمعهم فقد قرروا السعي إلى تأمين ما يكفيهم من الأرض أولا فعكفوا في خطوة غير مسبوقة إلى ردم البحر “الشمال” للتوسع على حسابه و شق الممرات للملاحة البحرية و استرجاع الهيبة الضائعة. جندوا لهذه المهمة المجنونة آنذاك كل ما أوتوا من علم حساب و هندسة و طاقات بدنية و مادية و لم تثنيهم محاولات التشكيك في حصول ذلك فانخرطوا بعزم لا يلين و همة تلامس عنان السماء و إصرار لا نفس له في عملية أمنية لا قبل لأحد بها. فلقد خلق الهولنديون من العزم و الإصرار أرضا لم تكن موجودة و هي الأرض التي كان أمنها و سيظل إلى الأبد هاجسهم الأول. و قد تعلم العالم من الشعب الهولندي فنيات ردم البحار التي أصبحت شائعة وكذلك حب الأوطان و الحفاظ على أمنها و هو شعب شجاع و خلاق حقق على أرضه اكتفاء غذائيا ذاتيا و نوعيا من الألبان و مشتقاتها إلى الجزرة و كل الخضار و الفواكه و أنواع الحبوب من القمح إلى الذرة إلى الشعير و غيره. كما استطاعت أن تؤمن الاكتفاء في غير ما مجال من الصناعة الخفيفة كالأدوات الكهربائية المنزلية من المكواة للراديو إلى الصناعة الثقيلة كصناعة طائرات الفوكير” Fokker ” الشهيرة بأمانها و كل معدات جيشه العتيد الذي يشارك بجدارة في العديد من المهمات الدولية الصعبة. مدرسة الأمن بالمنطق المحمدي إن للأحباش في الحبشة”Ethiopie” حس للأمن متطور عمره بآلاف السنين و هو ما جعل من حفاظها الأزلي على حدودها و انضباطها متميزة داخل هذه الحدود دولة بالمعنى الشامل و العريق للكلمة. و قد خبر المسلمون ذلك حين أرسلهم الرسول الأكرم محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم هربا من بطش قريش ليجدوا الملاذ و الأمان في الدولة الآمنة بأمنها القوي و المبني على أسس تستمد قوتها من الإدراك العميق لمعنى الاستقرار و العدل و المساواة. و قد قال الرسول لهؤلاء المسلمين اذهبوا إلى الحبشة فإن بها ملكا عادلا لا يظلم عنده أحد إلى آخر الأمر النبوي المستمد من لب الرسالة الإنسانية ليشاهدوا بأم أعينهم الأمن فيدرجوه فيما بعد عملا في صميم دينهم الحنيف و يتبنوه نهجا حينما يأذن لهم الله بالعودة إلى مهبط الرسالة الأمينة و المؤمنة. و قد خبر كذلك الاستعمار الإيطالي البغيض حس الأمن الحبشي فيما بعد و الذي لم يدخر جهدا و لا وسيلة لاحتلال البلاد العالية. ذلك بأن الأحباش الغيورين على بلدهم و المهيئين تاريخيا و معنويا و من منطلق معتقداتهم للدفاع عن أرضهم و هويتهم و خصوصيتهم و قفوا صفا واحدا وراء ملوكهم و حكمائهم و جنودهم للدفاع باستماتة لم يعتدها الإيطاليون الذين كانوا ذات يوم الرومان. و لما لم يجدوا بدا من التراجع و التقهقر عمدوا إلى أساليب الإهانة عساهم يجدوا فيها طعما لنصر كادهم. و من أشهر وسائل الإهانة التي ظن الإيطاليون أنهم قهروا بها إرادة الأحباش انتزاعهم لمسلة حجرية من على أرض مدينة آكسوم”Axoume” ، التي شيدت خلال القرن الأول قبل الميلاد، بأمر من الفاشي موسوليني”Mussolini” و نصبها في أحد أكثر شوارع روما تلوثا إمعانا في الإهانة. و لكن الأحباش بادروا بالمطالبة بإعادة هذه المسلة التي يتجاوز طولها الثلاثين مترا و يفوق عمرها آلاف السنين و قد جرى بشأنها سجال ظل يتطور حتى عادت المسلة إلى مكانها واحتفل الأحباش أيما احتفال بهذا الحدث الجليل نصرا مؤزرا و استرجاعا نهائيا لكرامة حاول الاستعمار الذي اصطدم بقوة أمنهم أن يهدرها. و كان بالأمس أمن الرباط عرف الموريتانيون القدامى الأمن نظاما دفاعيا عن الأنفس و الممتلكات و ضامنا أكيدا للاستقرار في المدن و على طرق القوافل إلى الشرق و قبله بلاد السودان و إلى المغرب فكانوا يشيدون الحصون المنيعة حول مدنهم و يمدون القوافل بالرجال الأشداء المدربين و المدججين بالسلاح. و لقد كان القضاء يسجن و تنفذ أحكامه دون أن يحدث ذلك بلبلة و لا اعتراض. و لما قويت شوكة السطو و كثرت فلوله كانت الحصون تعلو إلى المرتفعات رافعة معها الساكنة لتسهل المراقبة و تزيد فاعلية الدفاع. و استطاعت بذلك مدينة “ولاته” أن تظل حافلة بالعطاء و عامرة بأسواقها و مدارسها العريقة و هي المدينة التي كانت بدورها ذات الأدوار العديدة و بمسجدها العامر بالعلم و العلماء متربعة على أعلى المرتفعات في كل محيطها الجغرافي فبات لأهلها من كل الجهات أعين على كل الطرق المنبثقة منها و الموصلة إليها. كما كانت مدينة “وادان” كذلك مبنية على شكل تصاعدي و يحميها سور من أسفلها و يراقب أهلها من الأعلى حركة الدخول إليها و الخروج منها. و لما كانت في بعض الأزمنة تخشى مخاطر الغزو فقد استطاع أهلها أن يجعلوا أعين سقايتها في داخل بعض البيوت فيحفظ فيها الماء من التلوث و التسميم و من سطوة الغزاة. و لقد استطاعت هذه الدرجة العالية من الأمن أن تحفظ المدينة و أهلها من شر جيوش النهب و السلب و السطو حتى باتت مدينة آمنة و قلعة شامخة من قلاع العلم. ولكن كان الرباط قبل هذا في جزيرة “التيدرة” في المحيط الأطلسي حيث تدرج المرابطون من اعتناق الإسلام دينا إلى تعلم مبادئه إلى التبحر في علومه إلى الاستعداد لمهمة نشره إلى تطبيق شرعته و نشر عدله. في هذه الجزيرة ولد مع الإيمان حس الأمن للفوز و للفلاح في حمل الأمان إلي ربوع أرض الوطن و من ثم إلى العمق الإفريقي و أقصى المغرب العربي. تأسس جيش المرابطين على أسس الدين الحنيف بعيدا عن الأهواء حتى قويت شوكته و اشتد ساعده و سقى الإيمان قلوب و أفئدة أفراده. و كان الأمن أول الدعائم التي هيأت لهذا الفلاح فظل الرباط سورا واقيا و ستارا غليظا حتى اكتمل الاستعداد و انطلقت فيالق الفتح لتنشر أمنا كان مفقودا و تقيد الأهواء بالخلق الديني العالي. ثم كانت “السيبة”… و تمر حقبة الفتح الميمونة هذه على وجه الأرض تلملم الجراحات التي سببتها ظلامية الجاهلية و جاهلية الوثنية و تخلق من الضياع إنسانا جديدا قوامه الخلق الإسلامي الرفيع و حصنه المنيع شريعة غراء يستخرجها للأنام من مشكاتها الدرية علماء تابعون لا يخشون في الحق لومة لائم و يطبقون للأمان مقتضياتها و تعليماتها و توجيهاتها رجال حلمهم عظيم و بأسهم شديد لا يساومون في الحق و لا يلينون إذا هتك حمى الدين و هم بهذا يضربون سورا من الأمن على الناس حتى تطمئن القلوب و تهدأ النفوس و تعم السكينة و الوقار و ينتشر العدل الذي هو الأساس و الغاية المبتغاة. و لكل شيء أجل مسمى. فقد تقهقر الأمن الذي خلقه الإسلام و أحاط بأسواره العالية الأمة و أظلها بظله الظليل الوفير بعدما كثرت الأطماع و تمكن حب المال والجاه من النفوس و غرس فيها أنيابه الحادة و بعدما تنافر قطبا الفتح الإفريقي و هدأت عاصفته الميمونة و تناحر إخوة الأمس في التبليغ و النشر في حرب “داحس و غبراء” محلية حتى انفرط العقد و ظهرت الكيانات الكثيرة لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ قوامها البقاء للأقوى و انتشار الفوضى العارمة و ضعف رسوخ الدين و تعاليمه وظهور جاهلية كانت نائمة في أعماق النفوس. و توجت المرحلة الجديدة هذه التي أصبحت تدعى فيما بعد بالسيبة بزوال الأمن الذي كان و حلول قانون الغاب. و يعني مصطلح “السيبة” الفوضى التي لا حدود لها، فلا شيء بموجبها ملك لأحد و الكل لكل من أوتي قوة تمكنه من انتزاعه. ظلت السيبة سائدة حتى حلول عهد الاستعمار الذي استطاع أن يكسر شوكتها ويحد من اشتعالها فيغير مفهومها. تحول المجتمع الموريتاني بكل مكوناته إلي مجتمع طبقي بامتياز له هرم في الأعلى و له قاعدة مرتكز تفي بحاجات الهرم، كما انقسم إلى قطبين يتصارعان على النفوذ أحيانا و يتراضيان أحيانا أخرى للاستمتاع بمفاعيل القوة و لجاه. و قد خلقت هذه الوضعية – التي هي في واقع الأمر صيغة أقرب ما تكون إلى قانون واضح المعالم وضع لضمان البقاء- أمنا من نوع متميز ليس مرتكزه الأمان للبشر و الحفاظ على المال و إن حصلا و إنما فقط لتقاسم السلطة و الجاه و النفوذ و الأرض و ما عليها. و قد استطاع هذا الأمن المغلوط أن يفي مع ذلك ببعض متطلباته و يفتح الباب أمام تأسيس و ظهور الإمارات و بعض التحالفات الكبرى و كذلك ترسيم حدودها و تقييم أهلها كما و كيفا. و استطاع كذلك هذا الأمن الذي و إن سٌربل ببعض تشبث بأوجه الشرع الذي كان للقبائل التي تحمل لواءه دون غيرها القدرة على وضعه و تحديد ضوابطه في حدود تراعي ضمان الآخرين أي القبائل التي تحمل لواء الدفاع بالقوة و حماية النظام القائم و أهله و مقدراته في حدوده. ظلت السيبة كذلك و رغم هذا الوجه الأمني الفريد بشكله و بمنطقه و بمضمونه تقضم كل المجموعات التي يسري الضعف لأسباب أو لأخرى في أوصالها. فإما أن يحولها و هي في حالة الإذعان و الاستسلام إلى حيز “المحميين” أو أن يبيدها إذا ما استعصت على ذلك و حتى لا تشكل اختلالا في الأمر الواقع. و قد ظلت كذلك من ناحية أخرى عقبة كأداء في وجه كل المحاولات لاحتلال البلد و السيطرة على مقدراته و طرق القوافل التي تمر به في كل الاتجاهات إلى المحيط الأطلسي و إلى المغرب وإلى العمق الغرب إفريقي، تلك المحاولات الكثيرة التي جاءت من الهولنديين أيام سطوة أسطولهم البحري العتيد و من الفرنسيين و الأسبان لاحقا و غيرهم ممن لاحت لهم مصالح مادية أو حضارية في هذا البلد. الأمن القادم من وراء البحار و استطاع أمن السيبة أن يقف بالمرصاد كذلك للاستعمار الفرنسي الذي لم يتجرأ و يدخل إلا بعدما استطاع أن يحيط نفسه علما بالوضع القائم و أسسه و ذاك عن طريق التسلل و التقمص لشخصيات دينية جابت البلاد و تعرفت عن كثب على أهله و عقلياتهم و تنظيماتهم و قدراتهم. ثم إن الفرنسيين تريثوا حتى تؤتي بذور دقهم الإسفين بين الأقطاب أكلها و تظهر بوادر التصدع في الجدار الأمني القائم. و لم يكن مع ذلك دخولهم البلاد فتحا مؤزرا. فلقد ذاقوا مرارة الدخول دون الاستئذان و لقوا مقاومة شديدة و شرسة جعلتهم يدخلون مضامين أمنية ما كانوا يحسبونها ضرورية. بدئوا يشيدون الحصون على المرتفعات الشاهقة حتى يؤمنوا أمرين أولهما تأمين أرواحهم و ثانيهما المراقبة من أعلى نقطة في البلدة للسيطرة على مجريات الأمور في حالتي السلم و الحرب. في “بوتلميت” شيدت بناية المستعمر على أعلى تل ويدعوها السكان الأصليون على ما أعلم “الخوبة” و شيدوا قلعتهم في مدينة “آلاك” التي تبعد مائة كيلومتر علي أعلى مرتفع صخري في كل المنطقة لذات الهدف. و الأمر تكرر في أغلب مدن الوطن حتى كانت لهم اليد الطولي. و قد تمكنوا بعدما جندوا من السكان من كان يرى فيهم المنقذ من الضيم و المعين على شظف العيش من تأسيس أمن جديد مغاير قوامه جنود مدربون و مسلحون و محايدون عند التعامل مع كل القضايا مهما كانت طبيعتها. و من الجدير بالذكر أن البعض من العلماء اعتبروا أن دخول الفرنسيين كان بمثابة حرب من الله على المستفيدين من السيبة التي أخذ فيها الظلم أيما مأخذ و أذلت فيها الرقاب المسلمة و سلبت أموال أهلها و أجبروا لبقاء الأذلاء على دفع ما كان يدعى “الغرامة و القفر” و هم صاغرون. و ليس غريبا أن يكون البعض منهم وقع اتفاقيات مع المستعمر أولت وقتها على أنها إجازة له بالإمساك بزمام البلد و وضع أسس للعدل المفقود على أن هذه الاتفاقيات كانت تضمنت أن الأحكام في كل أمر تظل أحكاما إسلامية بحتة. و رغم قبول المستعمر بذلك فقد استطاع أن يفرض القانون الوضعي فرضا لم يقف في وجهه أي تيار و كل ألأفراد. و مع كل ذلك فإن الذين اختاروا حكم النصارى على “السيبة” و فوضويتها كانوا على صواب بحيث كانوا يرددون أن الدولة تستقيم على الكفر في ظل العدل و لا تستقيم أبدا على الظلم مهما أظهر أهلها من تدين. و قد كان للأمن الذي جاء به الفرنسيون أثرا بالغا في تحرير الناس من خوفهم و تمكينهم من الإقبال على الحياة بنهم شديد و عطاء بالغ. و لم يمض وقت طويل حتى عم السلام وبدا أن الكل بدأ يرضى بالوضع الجديد و كأن غير هذا الوضع لم يكن أبدا. فالذين كانوا قد بنوا كيانهم على أساس القوة و هم أهل الشوكة قبلوا في ظل الوضع الجديد بتنازلات كبيرة مقابل التمتع بالعيش بغير ذلك الخوف المصاحب من انتقام الآخرين كما كان الهاجس أيام السيبة و كذا بعض اهتمام شكلي أعطاه المستعمر المنتصر كي ما يظل في حدود اللياقة مع من كانوا أقوياء فكأنما لسان الحال يجعله يراعي روح قولة “لا يذل عزيز قوم”. و أما القطب الآخر الذي جمع بين النقيضين فقد وجد هو كذلك قي الوضع الجديد طمأنينة كان يحاصره الخوف دون بلوغها رغم مكانته العالية التي كان يحتلها بوصفه المشرع. و لم يجد بدا من الانخراط في دولة المستعمر الجديدة و التي كانت تخالف بقوانينها الوضعية روح الدين الذي تقع على عاتقه مسؤولية حمل مشعله و رفض المساس به. الأمن و الاستقلال جاء الاستقلال يحمل معه معالم الدولة الحديثة و قد مر على وجود الاستعمار قبل ذلك أكثر من قرن خلق أثناءها أمنا حقيقيا، أمن خرج معه على وجه العموم كل الموريتانيين من عزلتهم و بدأ معه على وجه الخصوص المستضعفون أصلا يحطمون القوالب الاصطناعية التي كانوا محشورين بداخلها و يدلون بدلوهم في البناء الجديد و يأخذون أقساطا من متاع الحياة و من المعارف التي كانوا شبه محرومين منها و ينخرطون في المؤسسات العسكرية فيتعلمون حمل سلاح ما كانوا يعرفونه إلا موجها إليهم. و قد اندفع الكثير من الموريتانيين اندفاعا لم يعر معه أي اهتمام للقيم و الأخلاق فكأنما أفلتوا على ما يقول المثل عندنا من فم السبع. هؤلاء و هم كثر من كل الطبقات كانوا المطية التي اعتلى صهوتها الاستعمار إلى تحقيق مآربه و التمكين له. دربهم و سلحهم في إطار طلائع النواة لجيش الدولة القادمة. و قد توزع هؤلاء على كل النقاط في عموم التراب الوطني و مدت الاتصالات ما بينهم ليكون الربط حقيقيا. و استحدث المستعمر السجون التي لم تكن معروفة و كانت تستقبل كل الخارجين على النظام الجديد. و نشط القضاء الوضعي بجانب الإسلامي الذي كان يسمح له بالبت في بعض القضايا مجاملة و مكافأة و مداراة و هروبا أحيانا من بعض القضايا التي يخشى أن تؤثر على التوازنات التي خلقها. و لا سبيل في هذا السياق إلى نسيان نشاط العمل الأستخباراتي الذي عول عليه و بحزم الاستعمار لكسر شوكة المقاومة و لتتبع المقاومين في كل مكان و إلحاق الهزيمة بهم و من بعد لإيقاف أو تصفية أعدائه و هو النشاط الذي انخرط فيه من كل الطبقات و الفئات و المكونات الكثير حتى كانت تنقل أدق التفاصيل عن الجميع. و الطريف المؤسف هو ما حصل آنذاك من انخراط بعض الشخصيات الكبيرة في تاريخ البلد وهي زعامات ذات شأن في العمل الإستخباراتي على قبائلها و مجموعاتها و ذويها تبلغ عنهم و عن نشاطاتهم و كانوا يجنون من هذا العمل أكثر بقليل من الآخرين وكثيرة هي الوثائق التي وثقت للتاريخ ذلك دون فيها الاستعمار أسماء هؤلاء مع الإشارة إلى بعض المهام التي أسندت إليهم و ملحوظات عن شخصياتهم المزدوجة كما هو الحال. الأمن بعد الاستقلال لم يهيئ الاستعمار الموريتانيين بما فيه الكفاية على النقيض مما فعل في مستعمراته الأخرى ليكنوا على القدر المطلوب لضمان أمن دولة تشق طريقها. فقد كانت عند أول وهلة ممرا و كذالك مستقرا لكل من سولت له نفسه ذلك. و لو أن خيرات البلد كانت استغلت أيامها لكانت البلاد اليوم لغير أهلها. غابت قوة الأمن التي كانت حاضرة و بقوة أيام الاستعمار و ظهرت مع الجمهورية الأولى بوادر الرجوع إلى بعض ما كان سائدا قبل الاستقلال. فقد بدا أن الأمن لم يكن أحد مرتكزات الدولة الحديثة التي توجهت إلى ترسيخ عقيدة الحزب الواحد و تغييب الأمة في شخص الرئيس و الافتتان على غير هدى بطباع مستعمر ذهب و لم يغب. و مع بداية استغلال بعض الثروات كالحديد و النحاس و الأسماك تدفق على البلاد التي لا تعرف حراسة الحدود يد عاملة غزيرة من الجوار زاحمت اليد العاملة المحلية و جلبت معها عاداتها المختلفة عن عادات أهل البلد و بعض الأخلاقيات المنافية للدين و العرف المحلي في الوقت الذي كانت الدول المجاورة حريصة على حدودها و أمن مواطنيها. و لما اشتعلت حرب الصحراء في العام 1975 جاءت المفاجأة المذهلة حينما لم يكن عدد أفراد المؤسسة العسكرية بكل أركانها بما في ذلك سلك الشرطة يتجاوز الخمسة آلاف فرد ناهيك عن غياب السلاح و انحساره في بنادق 36 MAS و بضع سيارات من نوع “لاند روفر Land Rover ” العابرة للصحاري. و لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فتكون هذه الحرب على ما تسببت فيه من خراب للدولة و هدرا لمقدراتها و تعاسة للمواطنين درسا أمنيا فقه في ضرورة تقوية الأمن بالاهتمام بتطوير وسائله و تكوين رجالاته وبالاهتمام كذلك بالدفاع من خلال بناء جيوش قوية مدربة و مسلحة. ثم إن الجيش الذي قوي ساعده أطاح في خطوة إيجابية متوقعة بالنظام القائم و تخلي عن أسباب الحرب و قرر الانسحاب منها. و لو أن العسكريين في خطوة ثورية ردوا الحكم مدنيا على إثر انتخابات ديمقراطية و انحسرت مهمة الجيش بعدها في جانب تأمين البلاد من الأخطار أيا كان مصدرها و كان النظام المدني الجديد مهتما بهذا الجانب و معتبرا إياه شرطا أوليا لا غنى عنه في أية نهضة يراد لها أن تتكلل بالنجاح لكانت البلاد قد قطعت اليوم شوطا كبيرا إلى الأمام. ألأمن في جلباب الخوف قي 12-12 من العام 1984 تولى العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع مقاليد السلطة بعد أن أطاح بالعقيد محمد خونا ولد هيداله الذي كان أسس لأمن حمل في طياته الرعب للمواطنين من غياهب السجون و أهوال التعذيب عبر شراك كان يدعى هياكل تهذيب الجماهير مستوحاة فكرته من نظام العقيد القذافي آنذاك. و قد استطاع النظام القائم آنذاك و الذي كان يمزج ما بين التوجه القومي العربي و الإسلامي و الثائر على منظمات بروتون وودسBretron Woods و تحديدا منها صندوق النقد الدولي “FMI” استطاع أن يمسك بزمام الأمور و الدولة بيد من حديد في قفاز الهياكل الحريري. و لم يسلم كذلك النظام الذي حاول العقيد معاوية أن يوهم بمدنيته من صناعة أمن على قدر المطلوب من حمايته. و قد استطاع أن يوظف هذا الأمن على أكثر من صعيد حتى بات الأكثر خبرة في تاريخ البلاد منذ استقلالها. و لم يكن الأمن عند ولد الطايع بوجهه المعهود لا غير، بل إنه عدده فأوجد أمنا عسكريا – كان شبيها بالحرس الجمهوري الذي كان يحمى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين – يتولى حمايته و قد سلحه و دربه، و غاب عنه أنه قد يطيح به إذا ما تمادى في نهجهه المتبع و الذي بدأ يزعج شرائح عريضة من الشعب و أطيافا كثيرة من النسيج السياسي. و قد لعب الأمن في هذا العهد أدوارا كثيرة سلبية كان أقلها سجن شخصيات سياسية كبيرة لا لجرم اقترفته سوى أنها عبرت عن آرائها المعارضة لسياسة النظام، كما لعب أدوارا إيجابية في رصد العديد من المنظمات الإجرامية و الإرهابية التي كانت تتربص بالبلاد و تضمر لها الشر المستطير و استطاع أن يجعل الدولة تلامس نوعا من الاستقرار الحقيقي. و تشيئ الأقدار و طبيعة هذه البلاد المضطربة أن يهتز هذا الأمن مرات حتى تأتي حركة 03 أغسطس 2005 بقيادة العقيد اعل ولد محمد فال لتدخل البلاد عصر الديمقراطية عبر مسلسل متكامل بدأ باستفتاء حول تعديلات دستورية هامة و انتهى بانتخاب رئيس مدني للجمهورية متمثلا في شخص سيدي ولد الشيخ عبد الله. وتنتهي مع تخلي المجلس العسكري طواعية عن السلطة حقبة أمنية تجاوز عمرها العشرين سنة بكل أجابياتها و سلبياتها. أمن ما بعد استفحال الهجرة السرية و الإرهاب المسلح ظل الموريتانيون ينظرون إلى الأمن نظرة تفتقر إلى مقومات الحداثة و هو الأمر الذي لا يناسب المرحلة و يحسبون الأمن أداة يستخدمها الحاكم لحماية نفسه و إنه اضطلع بمهام أخرى فإنها لا تتجاوز الاشتراك الفعلي في حماية فعل انتشار الرشوة و عجز الدولة عن جباية ضرائبها و تضييق الخناق علي المواطن في أنشاطته الخدمية و التجارية من خلال سلطان البلديات، التي يتمثل همها الأكبر و حصريا في جباية الضرائب لغير البناء. و لإن كانت هذه النظرة السيئة تلامس بعضا من الحقيقة إلا أن الأمن أوسع مدارك في تشعباته و أشرف من هذا و هو بصفة الشمولية التي يجب أن تصبغه يتجاوز الشرطة إلى الجيش بكل مكوناته و الديبلوماسية بكل أوجهها إلى المواطنين بكل ألوان الطيف و تعدد التركيبة السكانية في كل مكان و من كل المواقع. و لو الوعي الأمني كان بهذا المستوى لما كانت البلاد قد مرت في منتصف العشرية الأولى من هذا القرن بوضعية خطيرة من الانفلات الأمني حيث باتت معبرا و مستقرا لهجرات بمستوى مخيف ضايقت المواطنين، و زاحمتهم إن لم تكن تحدتهم في مواطنتهم. و لما كانت البلاد كذلك موطنا لمنظمات إرهابية شكلت في مجلها و على اختلافها تهديدا حقيقيا للأمن العام كادت تزج البلاد على وقعه إذ ذاك في مشاهد من الاقتتال بين مجوعات مسلحة و رجال الأمن و ما أسفرت عنه من مطاردات و استنفار في كل أرجاء الوطن و الإعلان عن دخول الدولة مرحلة جديدة لم يكن بدا خلالها من ضرورة مراجعة السياسة الأمنية بأسرع ما يمكن و العمل على جبهتي إصلاح الأجهزة الأمنية و نشر ثقافة الأمن الذي أصبح مطلبا حضاريا و ضرورة عصرية ذلك بأن أمة لا أمن لها معرضة للزوال و إن لم يكن فأنها تظل مطأطئة الرأس لا أرض لها و لا كرامة. و جاءت الحرب المعلنة على الإرهاب من بعد تسارع وتيرة إصلاح الجيش و تدريبه و تسليحه فحققت أهدافا كبيرة على التهديد و دحرت الإرهاب بعيدا عن الحدود و استعادت سكينة كادت أن تغيب. حقيقة و إن كابر البعض و رفض الاعتراف بها إلا أنها قدمت لثقافة الأمن شوطا كبيرا و فتحت الباب واسعا للأخذ بأسبابه الحيوية و ضروراته القصوى. و لكن أوجه الأمن متعددة و لا يستغني بعضها عن بعض أبدا الأمر الذي ما زال النقص إلى الإلمام به ناقصا مما يجعل البعض في الميدان السياسي و الحقل الحقوقي و الفضاء الإعلامي غير مستوعب لخطورة التعامل مع جهات أجنبية و لو كانت سفارات الدول الشقيقة و الصديقة و مهما استصغروا الشأن الذي تعاونوا معهم على أساسه، فكل معلومة أو إفادة أو تحليل أو استقصاء أو إضاءات حول شأن البلد الداخلي سواء تعلق الأمر بقضاياه الاجتماعية أو خصوصيات بنيته أو تعايش مكوناتها أو حالته الأمنية أو مميزاته الاقتصادية و ما إلى ذلك من شؤونه و سياسته، تعد معلومة أو إفادة أو تحليلا أو استقصاء أو إضاءات في غير محلها و لا يجدر القيام بتقديمها إلا ان تكون القنوات الرسمية و الجهات المعنية على علم بها أو متعاونة في تقديمها. و في هذا إنما نكون قد فعلنا كما يفعل الجميع لصيانة بلدانه و كياناته. أمن مرحلة الوعي بدولة الأمان لقد بات من الملح جدا أن تدخل البلاد عصر فهم غايات الأمن في عالم تحدياته في هذا الشأن كبيرة و خصوصا بعد أن أضحى الإرهاب من خلال تنظيماته التي أصبحت أقرب ما تكون إلى الجيوش المدججة بالسلاح و المسلحة بالمعارف الاستخباراتية العالية و تمتلك آليات الضغط وتحيط علما بموازين التوريط عند الاقتضاء، إرهابا منظما و مالكا لقنوات التواصل مع الجريمة المنظمة و تجارة الممنوعات على اختلافها و كثرة مصادرها. هي إذا مرحلة تستدعي استنفار جهتي الإعلام و الدبلوماسية الأساسيتين لقيام الكيان و ضروريتين لتحصينه من هذه الآفة التي عصفت بدول و تهدد أخرى و تتربص الدوائر بالتي مازالت متمنعة. فإذا كانت الحرية الإعلامية مكسبا يجب الحفاظ عليه و الدفاع عنه فلا بد لهذه الحرية أن تتجاوز أو بالأحرى تتجنى على ثوابت البلد و مقدساته و حرمته و أمنه حتى يظل قادرا على الاضطلاع في دائرة التمسك بأخلاقيات المهنة الصحفية النبيلة و ضوابط أدائها بدوره في صيانة كل المكتسبات و على رأسها حرية التعبير المسؤولة و الرأي البناء. و لكن بالمقابل لا بد أن يكون الإعلام في حمى الديمقراطية و القانون و أن ينعم الصحفيون بالأمن و الحماية في أدائهم مهنتهم و أن لا يمارس عليهم ضغط من أي نوع كان أو يقعوا تحت طائلة اتهامات تمس كرامتهم أو تصادر حريتهم تحت أية ذريعة لا تستقيم. هذه المرحلة تتطلب جملة من الإجراءات أهمها التعاون مع الأطر الصحفية من نقابات و روابط الجديرة على ما بات يدعى تنقية الحقل الصحفي من الأدعياء و بسط قوة القوانين المنظمة و مراعاة المهنية و احترام المواثيق و التعهدات و التقيد بأخلاقيات المهنة. — * تدور على ارتفاع 390 كيلومترا عن سطح كوكب الأرض وبسرعة 28 ألف كم في الساعة. وقد أطلقت لتأخذ محل ومهام المحطة الفضائية الروسية مير، ويتم الإشراف عليها بتعاون دولي.