رسائل سلبية من وفد “الأغلبية” للحوار
لم يكن رد وفد “الأغلبية” على وثيقة ممهدات المنتدى بالرد الإيجابي، بل على العكس من ذلك فقد كان الرد صادما في مجمله، غير مطمئن في مضامينه، باعثا على القلق في أدق تفاصيله.
لقد كنا نأمل بأن يأتي الرد بما من شأنه أن يعزز من حجج الأحزاب المتحمسة للحوار داخل المنتدى، ولكن الذي حصل، وهذا مما يؤسف له، هو أن هذا الرد قد أربك تلك الأحزاب، وأضعف من موقفها، وذلك في الوقت الذي زاد فيه من قوة ووجاهة موقف تلك الأحزاب التي لم تكن متحمسة أصلا للحوار. لقد حمل رد “الأغلبية” رسائل غير ودية، وغير مطمئنة، ولا تبشر بخير على جدية السلطة في الحوار، و لعل من أبرز تلك الرسائل: 1 ـ لقد رفضت السلطة أن تبعث بإجابة مكتوبة على وثيقة مكتوبة، واكتفت بتقديم أجوبة شفوية أو شفهية ـ وكلاهما جائزة لغويا ـ على مختلف النقاط التي جاءت في وثيقة المنتدى، ولم تكن هذه الأجوبة متطابقة تماما، ففي بعض الأحيان كان رئيس الحزب الحاكم يقدم جوابا، لا يتطابق تماما ـ حتى لا أقول مناقضا ـ لجواب الوزير الأمين العام للرئاسة. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الوفد لم يتسلم من الرئيس ردودا محددة وواضحة وصريحة وقاطعة على كل المطالب التي جاءت في وثيقة المنتدى. 2 ـ فبالإضافة إلى أن وفد “الأغلبية” لم يأت بأجوبة مكتوبة، وأن أجوبة أعضائه لم تكن متطابقة تماما، فبالإضافة إلى كل ذلك فإنه رفض أيضا أن يعد مع وفد المنتدى أي محضر للاجتماع، توثق فيه التعهدات القليلة جدا، والهزيلة جدا، التي تعهد بها شفهيا وفد “الأغلبية” لوفد المنتدى. إن كل هذه التصرفات الغريبة، والتي بدأت برفض تقديم رد مكتوب على مطالب مكتوبة، وانتهت برفض إعداد محضر مكتوب للاجتماع، مرورا بتقديم أجوبة غير متطابقة على ما جاء في وثيقة المنتدى. إن كل ذلك ليؤكد بأن السلطة لم تكن جادة في ردها، وبأنها أرادت لوفد المنتدى أن يعود إلى المنتدى ب “اللاشيء”. 3 ـ لقد كانت الردود الشفوية لوفد “الأغلبية” على المطالب التي جاءت في وثيقة المنتدى مثيرة للاستفزاز في أغلبها. وقد كانت من نوع : إن وسائل الإعلام مفتوحة للجميع ـ إن القضاء مستقل ـ لقد أقسم الرئيس على ذلك ـ ذلك شيء يكفله الدستور. نحن نعلم بأن الدستور الموريتاني يقول في مادته 89 بأن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. فهل هذه المادة مطبقة، وهل السلطة القضائية مستقلة حقا عن السلطة التنفيذية؟ ونحن نعلم بأن المادة 6 من الدستور الموريتاني تقول بأن اللغات الوطنية هي العربية، والبولارية، والسوننكية، والولفية، وأن اللغة الرسمية هي العربية. فمن أين اكتسبت اللغة الفرنسية شرعية الهيمنة في كل الإدارات الحكومية، على كل لغاتنا، وطنية كانت أو رسمية؟ ونحن نعلم بأن الدستور الموريتاني يقول في مادته 47 بأن ثلث مجلس الشيوخ يجدد كل سنتين، فكيف تمكن البعض من أن يظل شيخا ولتسع سنوات كاملة، ودون أن يجدد له، ولو لمرة واحدة؟ نحن نعلم بأننا نملك دستورا رائعا، ولكننا نعلم أيضا بأن ذلك الدستور الرائع لا يتم احترام مواده في كثير من الأحيان. ولو تم احترام مواد الدستور الموريتاني لما حدث انقلاب 2008، ولما كنا اليوم بحاجة لمثل هذا الحوار. ونحن نعلم أيضا بأن المادة الثانية من القانون رقم 054-2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007 تلزم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر، وتلزمه بنشر التصريحين. فلماذا لم يتم الإعلان عن ممتلكات الرئيس وممتلكات أبنائه القصر؟ ولماذا أصبح الإعلان عن تلك الممتلكات هو أحد المطالب الرئيسية في وثيقة المنتدى؟ فأن يقول وفد “الأغلبية” بأن المطلب القائل بالتزام الرئيس باحترام الدستور خصوصا في تحديد المأموريات، بأن هذا المطلب يتعلق بمقتضيات دستورية، وأن الرئيس كان قد أقسم عليها، وبأنه لا حاجة لتأكيد هذه النقطة لأنها أمر واقع، فذلك مما لا يبعث إطلاقا على الارتياح. نحن نعلم بأنه حتى ولو تعهد الرئيس علنا بأنه لن يعدل الدستور فإن ذلك قد لا يكفي للاطمئنان الكامل على أن الرئيس لن يفكر مستقبلا في تعديل الدستور، ولكنه على الأقل، سيصعب عليه الأمر، وسيجعله أكثر تعقيدا. إنه من حقنا أن نقلق بسبب إصرار الرئيس على رفضه المستمر بأن يدلي بأي تعهد صريح بعدم المساس بما أقسم عليه يوم تنصيبه طبقا لمقتضيات المادة 29 من الدستور الموريتاني. من حقنا جميعا أن نقلق، خاصة وبعد أن نظم الرئيس مؤتمرين صحفيين كانت مدتهما: خمس ساعات وسبع وثلاثة دقيقة ( المؤتمر الصحفي الأول 160 دقيقة، والثاني 177 دقيقة)، ومع ذلك فقد بخل الرئيس بنصف دقيقة يتعهد خلالها، وبشكل صريح، بأنه لن يعدل الدستور، وبأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. فأن يبخل الرئيس بنصف دقيقة يتلفظ خلالها بجملة من كلمتين أو ثلاث، يطمئن بها الجميع بأنه لن يعدل الدستور، فإن ذلك مما لا يبعث على الاطمئنان، خصوصا في هذه الفترة التي ظهر فيها بعض الرؤساء الأفارقة وهم على استعداد لأن يخاطروا بأنفسهم، وببلدانهم، من أجل مأمورية ثالثة. إنه لا يمكننا أن نتوقع ردا إيجابيا من المنتدى بعد كل هذه الرسائل السلبية التي تم وضعها في صندوق بريده من طرف وفد “الأغلبية”، ولكننا ـ وفي المقابل ـ يمكننا أن نتوقع من المنتدى أن يعيد صياغة وثيقته من جديد، وأن يسحب منها بعض الأثقال التي حملها لتلك الوثيقة، والتي لم تكن لها أي ضرورة. ومن حقه بعد أن يفعل ذلك أن يرفض الدخول في أي حوار من قبل أن يجد ردا مكتوبا وإيجابيا على وثيقته الجديدة.
وعلى وفد “الأغلبية” إذا ما كان جادا في الحوار، أن يدفع عربونا حتى ولو كان قليلا جدا من المفاجآت التي وعد بتقديمها عند البدء في الحوار. أما أن يأتي وفد الأغلبية صفر اليدين، ولا يحمل حتى وثيقة مكتوبة من صفحة واحدة، ثم يقول بعد ذلك لوفد المنتدى تعالوا بنا إلى الحوار وسنفاجئكم، فإن في ذلك لكثير من السخرية والاستهزاء.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل