زيارات الوداع / سيدي علي بلعمش
(الزمان اينفو): ـ كلما أعلن ولد عبد العزيز عن زيارة إحدى الولايات الداخلية المنكوبة كلها، المنسية كلها من برامج تنمية البلد المتوقفة بالكامل منذ اغتصابه للسلطة و الدولة، أطلق المنافقون و المتزلفون و المشعوذون و صحافة “البشمركة”، النفير و تحولت الولاية إلى وجهة لصيادي الفرص و سماسرة المواقف و أدعياء النفوذ و الوجاهة من بقايا القبلية المقيتة و بغايا المدنية المقرفة.
كل الديكورات المبتذلة و المسرحيات المعدة بإتقان و أساليب العرض المتبجحة و مساحيق التجميل المضللة و خطابات التزلف المستأجرة ، المعدة تحت الطلب من قبل نخب نواكشوط المقصية، عجزت عن إخفاء مآسي ولايات الداخل المتراكمة . و أينما حل ولد عبد العزيز سمع ما لا يرضيه و اصطدم بما لا يخدمه بين من يحتقره و من يتحداه و من يذكره بوعوده الكاذبة .. بين من يرميه بالكذب و التحايل و من يرميه بالازدراء بمشاكل المواطنين و من يرميه بالحجارة .. ـ في ألاك اعترضت موكبه عناصر “إيرا” و كادت تختطفه من بين حرسه الذي فر مذعورا ليتحول المشهد بعد لحظات إلى شبه مجزرة ضربا و ركلا و سحلا أمام كاميرات الصحافة و أعين المارة.. ـ في مقطع الحجار، قام الدرك بسحق المحتجين بلا رحمة لينفوا عن أنفسهم تهمة التآمر التي وجهت للحرس و الشرطة في ألاك .. ـ في دار البركه، وزعت مجموعة من المواطنين بيانات و حملت لافتات احتجاج على بيع أراضيهم الزراعية لمستثمرين أجانب ، في تعبير سلمي لا غبار عليه، فاعتقلتهم الأجهزة الأمنية و ما زالت تحتفظ بهم حتى الحين؛ إن لدى موريتانيا حوالي 130 ألف هكتار صالحة للزراعة لا تستغل منها أكثر من 13 ألف هكتار، فلماذا تبيع أراضي المواطنين لمؤسسة “الراجحي” السعودية ؟؟ ـ في بوغي ، مزق مطرب الراب بي جيبي صور ولد عبد العزيز أمام عينيه، فانهالت عليه عناصر من حرسه ضربا و ركلا و سحلا و يرقد الآن في المستشفى بعد إصابته بعدة كسور… و تعرضت مجموعة من شباب بوغي للضرب المبرح من قبل حرس ولد عبد العزيز، لحمل أواني فارغة تعبيرا عن أزمة المياه .. و استدعت الشرطة رئيس حزب “قوس قزح” و نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمنتدى الديمقراطية و الوحدة با آلاسان حمادي، للتحقيق معهما كان ولد عبد العزيز يرتبك في بعض المواقف فيسب بأتفه الأساليب الشعبوية “طيروا من هون ” .. يجبن في بعض المواقف و ينتقم بحرقة “أخمس آرويكجات .. و شيرت اعليهم” .. يتحاذق في بعض المواقف و يغمز لأمنه بالبطش “مرسي، مرسي” .. كان يهرب من الكاميرات في بعض المواقف .. كان يهرب من هجمة من يعانون من ظلم صارخ هنا و من يعانون من العطش هناك و من يعانون من كذب “الدولةّ” في كل مكان.. ـ إذا كنت لا تريد أن تسمع جرائمك، فلماذا تذهب إلى ضحاياها؟ ـ ماذا توقعت أن تكسب من وراء هذه الزيارات بعد ستة أعوام من السياسات المعوقة و الوعود الكاذبة؟ ـ صحيح أن في نواكشوط نسبة وعي مزعجة لا تستطيع مواجهتها بأكاذيبك السخيفة، لكن في الداخل مجاعة و عطش و مظالم لم يعد إسكات أصحابها بالوعود العرقوبية ممكنا.. ـ إن رئيس دولة يدشن مدرسة من ثلاث أقسام و مركز طبي يتكون من غرفة ممرض و غرفة انتظار و تعنون صحافته مانشتاتها بالعريض الأحمر” رئيس الجمهورية يدشن منشآت حكومية هامة” ، لا يخجل من أي شيء … و يعود ولد عبد العزيز في كل مرة إلى نواكشوط بخيبة أمل يحاول تجاوز حرجها بإعداد مؤتمر صحفي يختار له أفضل صحافة “الهابا” و أكثرهم استفادة من الإعلانات و المزايا، يحددون لهم فاتورة الجلسة و المواضيع الممنوعة و يذكرونهم بأسباب اختيارهم و شروط الحفاظ على امتيازاتهم . و في كل مرة كان يخرج من مؤتمره الصحفي بخيبة أمل أكبر ، يكتشف من خلالها الجميع سخافة أسئلة الصحافة و سذاجة كلام “رئيس الجمهورية” و مستوى الانحطاط الذي وصلت إليه أمور الدولة على كل المستويات؛ فمتى يفهم ولد عبد العزيز أن مشكلته الحقيقية أنه لم يخلق ليكون رئيس دولة؟ و يكرر ولد عبد العزيز باستمرار أمام خاصته عبارته المشهورة “هذا اشعيب حقير لا يستحق أي احترام” و لا أستغرب شخصيا أن يقولها ولد عبد العزيز بتبجح لأن إسقاط الواقع الاجتماعي الذي عاش فيه على المجتمع الموريتاني أمر طبيعي جدا لكن الأيام و الأسابيع القادمة ستكون أفضل من يرد على ولد عبد العزيز ، كما ردت على كل من سبقوه.. و لا يعرف ولد عبد العزيز اليوم ماذا يفعل ؛ إذا واصل زيارته للداخل ، تزايد ازدراء المواطنين له و تعرت حقيقة عجزه عن مواجهة الواقع البائس و سقوط هيبة الدولة و عجز أمنه عن حمايته من ردات فعل الغاضبين و المظلومين و المهمشين و الجياع و العطاش . و إذا قطع زياراته لبقية الولايات، ظهر عجزه عن إدارة أمور الدولة و تراءت حقيقة انهيار نظامه للجميع … في المرة الماضية منعت فرق اختيار صحافة المؤتمر على من تم انتقاؤهم لمحاورة ولد عبد العزيز، الحديث عن طرد الدبلوماسي الجزائري و الخوض في الاتفاقية المبرمة مع السعودية و إرسال جنود موريتانيين للقتال في اليمن .. و إذا قرر ولد عبد العزيز إجراء مؤتمر صحفي في أعقاب هذه المرحلة من الزيارة و هو أمر أستبعده لأسباب لا أريد ذكرها الآن، سيمنع عليهم تناول العلاقات مع المغرب و قضية استجلاب عمرو اليمني من مالي و ثورة “إيرا” و جريمة قطع منح الطلاب الموريتانيين و إثارة قصة زفاف بنت الإمام الشافعي. و هذا لا يعني أن ولد عبد العزيز أصغر بكثير مما تتصورون لكنه يعني أيضا أنه يعرفها جيدا .. و من ينظر بتمعن في رد الاتحاد من أجل نهب الجمهورية أمس على المعارضة، لا بد أن يكتشف خوفهم من انهيار كل شيء على رؤوسهم؛ لقد كان نباحهم المسعور هجوما دفاعيا يظهر بوضوح كل ما أرادوا إخفاءه. إن انهيار أي نظام يبدأ حين يفقد زمام المبادرة. و منذ طرح ولد عبد العزيز مبادرة الحوار الماكرة و هو يحاول عبثا أن يتحول من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم و كل ما حاول أن يقطع خطوة إلى الأمام تراجع عدة خطوات إلى الوراء. و قليلون هم من يفهمون اليوم علاقة فشل هذه الزيارات بمسألة الحوار، لكن من يدركونها يفهمون أن المعارضة فاجأته بدقة حسابات أفسدت كل ما كان يفكر فيه من أمور يخفيها عن أقرب الناس إليه و أدخلته في ورطة لا مخرج منها. و صحيح أن المعارضة استفادت كثيرا من أخطاء ولد عبد العزيز و ارتجاليته و غبائه لكنها أيضا عملت بكفاءة عالية و انطلاقا من قراءات متطورة و دقيقة، على محاصرته على كل الأصعدة .. لقد أفسد ولد عبد العزيز كل شيء في هذا البلد و لا يختلف اثنان اليوم أنه ينفذ أجندة شيطانية لا أحد يعرف أين ستوصل موريتانيا و هذا ما جعل المتورطين في جريمته من أمثال ولد محم و ولد اوداعه و كومبا با و الشيطان الرجيم و مسيلمة الكذاب، يصارعون بشراسة لإنقاذ نظامه المنهار لكن إصلاح ما أفسده ولد عبد العزيز لم يعد ممكنا لأنه على كل المستويات و في الأعماق؛ ستعجز الدولة بعد شهر أو اثنين عن دفع رواتب عمالها و يتوقف كل شيء من ذاته و هذا يظهر بوضوح من خلال حذف ميزانيات التسيير (و قد حصل هذا).. توقيف منح الطلاب و تقليص أعداد العاملين في السفارات (لعم وجود العملة الصعبة و قد حصل).. فصل العقدويين بمبررات واهية (و قد حصل هذا أيضا بنسبة كبيرة) .. موت الإدارة المركزية (وقد ماتت منذ فترة) .. و حين تصل الأزمة إلى الجيش و الأمن ينهار كل شيء (و ستكون قضية الحرس الحالية بداية هذه المرحلة الأخيرة). لم يعد باستطاعة أي معجزة أن تنقذ ولد عبد العزيز لكن عدم إشراكه لأي أحد في ما يفكر فيه و ما يراهن عليه ، هو ما يحول دون رؤية المتزلفين لما ينتظره و ينتظرهم و الأيام القادمة كفيلة بتعرية كل الرهانات.