رمضان وسط أزمة إقتصادية وسياسية خانقة
بدأ رمضان تحت وقع الفضيحة المدوية، عندما رصدت بعض الجهات الإعلامية وصول شاحنة لأحد منازل الرئيس بتفرغ زينة، حيث كان خاويا على عروشه من سكانه الحاليين، أصهار الرئيس، إلا أن المنزل فعلا تعود ملكيته للرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي وصله إثر فترة علاقاته مع ولد بوعماتو، بعد الإنقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله .
هذه الأزمة عمقت الشعور بالغبن .
شعب بأسره –تقريبا- يبحث عن الكسرة أو نصفها، وآخرون يتبادلون الهدايا والشحنات من المواد الغذائية الثمينة، المعدة أصلا للفقراء، والتي غالبا ما تكون هدايا من بعض الدول للشعب الموريتاني، الذي لا يذوق في أغلبه -على الأقل- لها طعما مباشرا ، لأنها إما أن تعطى وفق نظام التمييز السلبي، وإما أن تصل أيدي بعض السلطات الإدارية في الداخل، فتمررها عبر صفقات مع بعض التجار، لتوزيع منافعها الحرام بين الإدارة والتاجر المعني.
هذه المرة إنكشفت جهود بعض خصوصيات ومحسوبيات عزيز وأسرته، فما كان منه إلا أن يتظاهر بالطهر الزائف، ويقدم تفاديا لحملة إعلامية أكبر، على إقالة مفوض الأمن الغذائي ،الذي وجد أمامه نظاما معروفا واتبعه، إلا أنه طبقه في حضور عدسة صحفي شاطر لله الحمد، فأنقلب السحر على السحرة، جميعا تقريبا، وينتظر في حساب بعض البسطاء أن يجر الأمر إلى تحقيق أوسع على مستوى مفوضية الأمن الغذائي، إلا أن هذا لن يقع، وإن حصل فبدون شك مع غياب العدل وعدم الحسم، وإنما حدثت الإقالة السابقة السريعة لذر الرماد في العيون، التي لا ترى أصلا إلا نادرا ولماما.
أجل، قدم هذا الشهر المبارك في أجواء – سياسيا – مسمومة، يدعو من خلالها البعض، للتمديد لنظام عزيز الإستبدادي، لعهدة ثالثة أو رابعة أو عاشرة، لا قدر الله، كما أن الحوار -الخديعة- متوقف وعاجز عن التقدم أية خطوة إلى الأمام.
وتبقى شركة “اسنيم” في أزمتها، وفقا لإنخفاض دولي لسعر الحديد وفشل إدارتها الحالية وبعمق.
كما أن كل القطاعات تشهد اضطرابا، خصوصا بعد اعتقال أفراد عدة من مسؤولي الخزانات المالية ، وبوجه خاص في الداخل، وبمعدل مليار فما فوق.
ومن الجدير بالذكر أن الخزانة العامة تشهد استنزافا مريبا على خلاف السنوات السابقة، فخزانات روصو و نواذيبو، وفرع الضرائب بالمقاطعة الأولى، تيارت وغيرها من المدن والمقاطعات، كلها كشفت فيها خروقات مالية، تعبر عن خلل في حفظ المال العام، لأن مثل هذه الأموال ينبغي أن تدفع يوميا للبنك المركزي في حساب الخزانة العامة، ويلزم أن تراقب الرئاسة هذه الدفعات الهامة يوميا، والتأكد من وصولها يوميا أيضا للحساب المذكور، على أن يتأكد محافظ البنك المركزي شخصيا يوميا من هذا الدفع، الهام تنظيميا على صعيد كل الدول، ويتم إبلاغ وزارة المالية عن تلك الوضعية. ووسط الإهمال وربما التحايل على هذه الأموال الضخمة، ظهرت تدريجيا أزمة مالية في الخزانة العامة والبنك المركزي، لغياب أموال هامة من صناديق هذه الخزانات المذكور بعضها، وهو ما أفضى إلى سجن بعض المسؤولين الماليين عن خزانات بعض المدن الكبيرة، مثل روصو ونواذيبو وغيرها، فما الذي أخر هذه الأموال عن الدفع، ومن المسؤول حقيقة، وهل ثمة مافيا مالية، على مستوى أكبر، هي السبب الرئيسي وراء هذا التسييب المالي الكبير، وما حقيقة تدني مستوى احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي؟.
هذا إلى جانب تزايد حالات الإنفلات الأمني الحاد، عمليات القتل والإعتداءات المختلفة، في بعض مدن البلاد.
وتشهد العاصمة الإقتصادية نواذيبو، أزمة مرعبة، ربما على وقع عدم توقيع اتفاق الصيد مع الطرف الأوروبي المعني، مما خلف مئات من الشباب والرجال، الذين يعانون مصاعب مادية ونفسية جمة، تترجم من حين لآخر، على صورة جرائم ومخاطر أمنية وإجتماعية متصاعدة نحو المجهول، وقد تكون لا حل لها إلا التوجيه والبحث عن مخرج إقتصادي سريع، وإلا فإن نواذيبو ستخرج قريبا عن نطاق السيطرة والتوازن الهش، لا قدر الله، وقد ضاعفت من أزمتها بعد أزمة الصيد، أزمة إغلاق الطريق الحدودي مع المغرب، عن دخول السيارات إلا بشروط مجحفة، ونعني هنا طبعا السيارات التي يجلبها أصحابها للبيع أو الاقتناء.
كما أن تعثر مشروع المنطقة “المرة” كما يسميها بعض أهل نواذيبو، بدل الحرة، أقول هذا التعثر جلب الكثير من التأزم على العاصمة الاقتصادية للبلد، نواذيبو.
إن نواكشوط يئن أنينا مع تأزم متنوع وحساس ، وعزيز يسابق الوقت بمنح بعض الطرق المجتزأة لبعض أقاربه، وسط حصار كل معارضيه، كما حدث مع شركة “سوجكو”، التي اضطرت لتقليص عمالها بعد أن حوصرت ، وهي ملتزمة بالتسديد ونشاطها معتبر وكبير، لكن خلفية معارضة بعض مسيريها جلب عليها ما لا يمكن تصوره من الظلم. وللتذكير يدير سوجوكو العريقة في ميدان اترانزيت الإبن الأكبر لإسماعيل ولد اعبيدن، سيد أحمد وهو شقيق المعارض الشاب رئيس حزب “إيناد” عبد القدوس ولد اعبيدن، ولأننا في موريتانيا نعمل بأسلوب دولة النظام بدل أن يكون النظام في خدمة الدولة وسائر مواطنيها دون تمييز دفع هؤلاء المحسوبون على المعارضة وغيرهم ثمن معارضتهم السلمية المشروعة باهظا .
كل هذا التأزم ترى هل يسمح للمواطن بالصوم في ظرف مناسب ، بعيدا عن التوتر السياسي ، الذي قد يصل إلى حد السقوط المفاجئ للحكم الحالي الغافل المغرور.
لا، إنه رمضان مبارك، صعب المذاق المعيشي والسياسي بصراحة.
ولم تكن أزمة الباكالوريا هذه السنة، إلا مظهرا من جوهر فاشل عام عارم مفزع، لمن يتبصر ويتعقل، وهم قليل حقا.
اللهم صياما وقياما مقبولين ميسورين.
اللهم آمين .
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى