أغمض عينيك من قبل أن تكبر للصلاة !!
كان على الذين “زينوا” مصلى مطار الجمهورية الإسلامية الموريتانية بصور عارضات الأزياء، وكان على الذين قرروا لهذا المصلى أن يكون واجهة لمحل لبيع العطور، كان عليهم أن يكتبوا العبارة الإرشادية التالية: “أغمض عينيك من قبل أن تكبر للصلاة فأنت ستصلي في مصلى مطار الجمهورية الإسلامية الموريتانية”.
حقا، إنه لأمر صادم أن يكون المصلى الوحيد بمطار الجمهورية الإسلامية الموريتانية، واجهتها على العالم، بهذا الشكل الذي رأيناه. ولو أن “السويد” مثلا، أو “الدنمرك”، أو “فرنسا” خصصت واجهات لمحلات تجارية كمصليات في مطاراتها، ولو أنها “زينت” تلك المصليات من الداخل بصور عارضات الأزياء لأنكرنا عليها ذلك، ولاعتبرناه إساءة للإسلام، فكيف إذا كانت الصورة قد جاءت هذه المرة من قلب العاصمة “نواكشوط” ومن قلب بوابتها الجوية على العالم؟
المقلق في الأمر هو أن هذه الإساءة كانت قد جاءت في سياق إساءات متعددة ومتنوعة لم تسلم منها أمهات الكتب المالكي، ولا الصحابة رضوان الله عليهم، ولا مقام الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا المصحف الكريم، ولا حتى الذات الإلهية. لم يعد لدينا في هذه البلاد أي مقدس إلا وقد أسيء إليه.
إن من حقنا أن نطالب بمصلى في مطار الجمهورية الإسلامية الموريتانية خال من صور عارضات الأزياء، ولكن وفي حالة عدم توفر هذا المصلى، فإنه قد يكون من اللازم إغلاق المصلى المسيء، وسحب السجاد منه، وترك الخيار للمسافرين في أن يصلوا في أي مكان يختارونه من قاعة المطار، أو أن يذهبوا إلى المسجد المجاور لقاعة المطار لأداء صلواتهم.
البعض حاول أن يبرر الأمر بأن من خصص ذلك المكان للصلاة، و”زينه” بصور عارضات الأزياء ليس الحكومة الموريتانية، وإنما هي شركة خاصة، ولهؤلاء أقول : وهل يجوز للحكومة الموريتانية أن تغمض العين عن هذه الإساءة التي اختير لها مطار الجمهورية الإسلامية الموريتانية لكي يكون مسرحا لتنفيذها؟
البعض الآخر حاول أن يبرر غياب “مصلى بالمواصفات الإسلامية” في المطار بسبب ضيق مساحة المطار، وكذلك نتيجة لوجود مسجد بالجوار..لا بأس سنتقبل هذه الحجج، ولكن ما قولكم في غياب “مصلى بالمواصفات الإسلامية” في قصر المؤتمرات الذي شيد على أرض شاسعة، والذي لا يوجد بجواره مسجد، وأقرب مسجد إليه يحتاج إلى عدة دقائق سيرا على الأقدام؟
فهل تنتظر الحكومة الموريتانية ظهور متبرع من “الإمارات” أو من غيرها ليشيد لها مسجدا على نفقته في قصر المؤتمرات بدلا من المصلى الحالي المجاور لبعض المرافق الصحية لبعض قاعات قصر المؤتمرات؟
إنه لا يليق بالحكومة الموريتانية أن تقبل من أي متبرع خليجي أن يشيد لها مسجدا في أي مبنى حكومي أو رسمي . إن الإدارات الحكومية لها خصوصيتها، ولها هيبتها، وعلى الحكومة الموريتانية أن تتولى تشييد كل المساجد في الإدارات الحكومية على نفقاتها الخاصة، ولا بأس من بعد ذلك بترك تشييد بعض المساجد في المدن والقرى والأحياء السكنية للمتبرعين الخليجيين.
لا أنكر بأن هناك مساجد عديدة قد تم تشييدها في العديد من الوزارات ومن الإدارات الحكومية في السنوات الأخيرة، لا أنكر ذلك، ولكن ما يزال هناك نقص كبير في هذا المجال.
لقد كنتُ ـ ولله الحمد ـ من الذين اهتموا ومنذ سنوات بهذا الموضوع، وأذكر بأني كنتُ قد نشرتُ في يومية “السفير” بعيد انقلاب الثالث من أغسطس 2005 رسالة مفتوحة إلى وزير التوجيه الإسلامي حينها مطالبا بجملة أمور كان من أبرزها ضرورة تشييد مسجد بمبنى الوزارة المعنية بالمساجد. ولقد ردت الوزارة وفي العدد الموالي من الجريدة برفضها لكل ما تقدمتُ به من مطالب واقتراحات، ولكنها في المقابل تعهدت بأنها ستشيد مسجدا بمبنى الوزارة وهو الشيء الذي تحقق من بعد ذلك. وأذكر أيضا بأني كنتُ قد طالبتُ في واحدة من أولى رسائلي المفتوحة للرئيس السابق “سيدي ولد الشيخ عبد الله”، والمنشورة في يومية “الفجر”، بضرورة تشييد مسجد بالقصر الرئاسي، وثان بمبنى الحكومة، وثالث بمبنى الجمعية الوطنية، ورابع بقصر المؤتمرات.
لقد كنتُ من المهتمين بمسألة تشييد المساجد في المباني الحكومية، وما أود أن أضيفه هنا هو أني كنتُ قد لاحظتُ بأن أغلب رواد هذه المساجد هم من البوابين ومن صغار الموظفين، في حين أن الوزراء وكبار الموظفين ـ إلا من رحم ربك ـ هم أكثر المتغيبين عن هذه المساجد.
أليس الوزير أولى من غيره من الموظفين الصغار بالصلاة في مسجد الوزارة؟ فإن كانت الصلاة شكرا للنعم فهو أولى من صغار الموظفين بالشكر على وظيفته السامية، وإن كانت لتكفير الذنوب فإن ما يرتبط بالوزير من حقوق أكثر بكثير مما يرتبط بصغار الموظفين من حقوق. ثم إن على الوزير أن يضرب المثال الأحسن لموظفيه في الوزارة، وتبقى الصلاة في المساجد هي من أفضل الأمثلة الحسنة التي يمكن تقديمها خصوصا في أيام الشهر الكريم.
إني أعرف وزيرا لم يكن يتغيب عن صلاة الجماعة في المسجد المجاور لسكنه، ولكنه رغم ذلك كان يتغيب عن صلاة الظهر والعصر في مسجد الوزارة، وظل يتغيب عن الصلاة في مسجد الوزارة إلى أن أقيل من الوزارة. ربما تكون حجة ذلك الوزير في التغيب عن الصلاة في مسجد الوزارة هي خوفه من أن يعترض سبيله بعض الباحثين عنه، وتلك ليست بحجة، فإن كان الباحث عن الوزير هو صاحب حق فإنه لا يحق للوزير أن يتهرب من أصحاب الحقوق، وإن كان الباحث عنه هو أحد الفضوليين أو المزعجين أو “الطماع” فعلى الوزير أن يكون لديه من الشجاعة ما يكفي لمواجهة أولئك، ولبعث اليأس في نفوسهم حتى يتوقفوا عن مطاردته.
تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم..
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل