المتسول القنوع !! / محمد الأمين ولد الفاضل
إن هناك أعدادا كبيرة من المتسولين لم تعد تمارس التسول بسبب الحاجة، وإنما أصبحت تمارسه بوصفه واحدا من الأنشطة التي تدر دخلا كبيرا لأصحابها، وكنتُ قد أشرت إلى ذلك في مقالين سابقين.
وحتى لا يعتقد البعض بأني أضع كل المتسولين في مجموعة واحدة فقد ارتأيت أن أكتب هذا المقال الذي أريد أن أقول من خلاله بأن هناك متسولين هم في حاجة ماسة لأن نتصدق عليهم، وبأن الحاجة هي التي أجبرتهم على سؤال الناس في المساجد أو في الشوارع أو في الأمكنة العامة. هذه الطائفة من المتسولين موجودة، حتى وإن كانت تحتاج لتمييزها عن الطائفة الأخرى لشيء كثير من الفراسة والفطنة. وإن من هذه الطائفة التي أجبرتها الحاجة على سؤال الناس يمكنني أن أذكر لكم قصة متسول كنتُ قد صادفته ذات مرة بمسجد في “توجنين”، وكان ذلك بعد صلاة عشاء. فما أن أكمل الإمام صلاته وتسبيحه في تلك الليلة حتى وقف شاب وقال بأنه يعاني من مرض خطير، وأن أحد أدويته التي يستعملها يوميا قد نفد تماما، أما الدواء الثاني فلا يزال يملك منه ما يكفي ليومين. الشاب المريض قال بأنه لا يطلب من المصلين ثمن الدواء الثاني الذي كاد أن ينفد، وإنما يكتفي بثمن الدواء الذي نفد نهائيا، والذي قال بأنه لا يمكن له أن يتوقف عن استعماله ولو ليوم واحد، وقال الشاب المريض بأن ثمن الدواء المنتهي 1900 أوقية. أخذ المصلون (وهم من الفقراء) يتبرعون للشاب المريض، ولما حصل الشاب على المبلغ اللازم لشراء الدواء، أعلن ذلك، وأخبر بقية المصلين وفيهم من كان قد أخرج صدقته بأنه لم يعد بحاجة إلى صدقاتهم وتبرعاتهم، لأن ثمن الدواء كان قد اكتمل، قال ذلك وخرج إلى حال سبيله. لم يطلب ذلك الشاب المريض ما يعينه على شراء الدواء الثاني الذي سينفد بعد يومين، مع أن هناك من المصلين من كان على استعداد لأن يتصدق، ولم ينتظر هذا المتسول القنوع حتى يحصل على مائة أوقية أو مائتين فوق سعر الدواء ربما يكون بحاجة إليها لركوب سيارة أجرة توصله إلى الصيدلية أو إلى أهله. لم ينتظر أي شيء من ذلك، وإنما أخذ ثمن الدواء وخرج، أخذه وكأنه قد حاز الدنيا بما فيها. خرج ذلك الشاب بعد أن ترك في نفسي، وفي نفوس بقية المصلين شيئا من سعادة، لا يقدر بثمن !! فأن تصادف في هذا الزمن الذي عُرف أهله بالجشع إنسانا بتلك القناعة فذاك شيء لا يقدر بثمن. فكم هو عظيم ذلك الشاب الفقير المريض والذي رغم معاناته إلا أنه تمكن من أن يُسعد الكثير من الأصحاء، بسلوكه النادر، و بقناعة قل نظيرها، وبعزة نفس لم يستطع المرض والفقر والمعاناة أن يخفوها. خرج الشاب المريض وترك خلفه حكمة من أبلغ الحكم، حكمة لم تكلف جماعة المسجد سوى 1900 أوقية، حكمة تقول : مهما كانت درجة شقائك ومعاناتك فإنه بإمكانك دائما أن تسعد الآخرين، ممن قد يُخَيَّل إليهم بأنهم أكثر سعادة منك. خرج الشاب المريض وقلت في نفسي : كم سأكون سعيدا لو استطعت أن أكون بمثل رضا وقناعة ذلك الشاب المريض؟ وكم ستكون أنتَ سعيدا لو كنتَ قنوعا مثله؟ وكم ستكونين أنتِ سعيدة لو كنتِ مثله؟ وكم سنكون نحن جميعا سعداء لو كنا مثله؟ مشكلتنا أننا لا نستطيع أن نكون بقناعته، فتلك نعمة عظيمة منحها الله لذلك الشاب المريض مقابل نعم أخرى سُلبت منه. قطعا لو كنا مثله في قناعته لتغيرت أمور كثيرة في هذه البلاد. فتخيلوا كيف سيكون حال هذه البلاد لو كان الرئيس والوزراء والموظفون والتجار والساسة والمثقفون والعلماء والرجال والنساء والشباب والأطفال بمثل قناعة ذلك الشاب المتسول.. ــــ بشرى لكل من ندد بوجود صور عارضات أزياء في مصلى المطار، فهذه رسالة من صديق وصلتني في هذا اليوم : “السلام عليكم ورحمة الله ..لقد علمت اليوم أن سلطات المطار أبلغت الجهة المسؤولة عن محل بيع العطور أن عليهم إزالة الصور الفاضحة من أمام المصلي ..جزاكم الله خيرا” تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم.. حفظ الله موريتانيا..