بين فكي المأزق العربي والمد الإرهابي/ الولي ولد سيدي هيبه
كتابات غزيرة و تحليلات عميقة توقعها بحبر دافق منذ فترة أقلام موريتانية متمكنة على صفحات عديد المواقع العربية و المحلية الغراء، تتناول باهتمام كبير و حسرة عارمة و لوعة بالغة الوضع العربي المتأزم من دون أن تسحب على وضع لبلد القائم أيا من جوانب أو ملامح أو أسباب هذا الواقع>>
المنفلت من قبضة و ضوابط الدين و المتمرد على الأعراف الإنسانية و إملاءات الديمقراطية و اشتراطات الروح الحضارية المتمدنة، و هو الذي تتربص به بعض الجهات الدوائر و لا تترك وترا حساسا من أوتار قضاياه الاجتماعية و السياسية الشائكة و العالقة إلا و تعزف عليه، حتى يُمكن استلهام العبر و تجنبُ السقوط في دائرة أسباب تلك الخلافات و اتقاءُ بلاويها التي تلتهم بألسنتها الحارقة اليابس و الأخضر في سوريا و العراق و تونس و مصر و هي تتسلل إلى دول المغرب العربي من الساحة الليبية المحترقة و البوابة المالية المفخخة على تخوم كل حدودها و منها في الخط الأول الجزائر و موريتانيا. و لا شك أن الواقع العربي بات يبعث أكثر من أي وقت مضى إلى الحسرة و القلق و الأسى، كما لا ريب في أنه يثير جملة من التساؤلات الصارخة حول تداعياته على فكرة “وحدة الأمة” التي و إن لم تكن يوما إلا “حلما” فإن هذا الحلم قد ظل و بما كانت عليه الأوضاع من “شبه استقرار”، لم تحمد الشعوب و الأحكام نعمته،حلما جميلا أبقى منذ تأسيس الجامعة العربية على أمل التلاحم و التقارب و الاحتكاك و التبادل و التجسيدِ في ذلك صنعَ بعض ملامح المستقبل و حضور مصاحب ملطف لإحباطات التخلف و العجز عن مسايرة الركب الأممي في توجهه الحثيث إلى الاستظلال بدولة القانون و الديمقراطية و المواطنة و حكم المدنية الراقية. أقلام سيطر على بعضها هاجس القومية الضيقة والمعجزة هربا من واقع التعددية العرقية التي كانت نائمة و قد استيقظت لتعطي الخارطة العاطفية للوطن العربي في أحادية الانتماء المطلقة و الجياشة طعما بمذاقات مختلفة و متباينة في مرارتها و توجهاتها فانفجرت الفسيفساء و انفرط العقد ليتسلح و يطالب بالحقوق و الانفصال و ينشق عمليا الأكراد و الأرمن و الشركس و الزيديون و الشيعية و السنة و المسيحية و الامازيق و الطوارق و الأفارقة و الأقباط و النوبيين. أقلام ناضجة لا بد، و بما تكشفت عنه من قدرة على الصياغة و التحليل و الاستنتاج، أن تسيل بعض حبرها الوضاء في تناول رفيع و عميق للقضايا الوطنية الكبرى العالقة بجرأتها المهدورة و جدارتها المثبتة في سياق أعدته من حيث تحتسب و لا يحتسب التجربةُ العربية المأساوية، فيقتصد: · في التحجج و التبرير و البحث المضني عن مسالك النفاذ إلى الحلول المفروضة و إزالة الغشاوة عن العيون لتبصر الواقع كما يتجلى فتستعد لمواجهته بالشجاعة الأدبية المطلوبة، · و يسحب البساط تحت أقدام السياسيين المغمورين و المتحجرين، من كل الطوابير و التوجهات الفكرية البعيدة في طرحها و رؤاها و فلسفتها عن متطلبات الأمة، أو توجيهها إلى استثمار اختلافاتها و نبذ خلافاتها و توطيد مشتركاتها و تدعيم قواسمها و حماية ثوابتها بما يصهر اللحمة و يقوي الوحدة و يحمي الوطن من هزات الانقسام و إسفاف الذين ينعقون بما لا يسمعون و لا يستقرئون نتائجه عند خواتمه. و هل من المعقول أن يظل منظرو تيارات البلد بكل لون الطيف – الفكرية و الثقافية و السياسية و النضالية الحقوقية القريبة من السلطة و المناوئة و المحاورة لها – رافضين لاستقراء الواقع الماثل بما يمليه المنطق و يتطلبه سير الأحداث من حولنا و فينا، فلا يبدون اكتراثا لهول هذه الأحداث و سرعة تفشي عدوائها و طغيان عنفها، آخذين بعين الاعتبار مغالطةَ أن “العواقب الوخيمة لا تحل إلا بغيرنا” و مدركين حكمةَ المثل القائل”الوقاية خير من العلاج”. إن كل رتابة المشهد السياسي بما هو قائم و صادم اليوم تتجلى بارزة: · في ضعف معالجات أحزابه و تياراته، في الأغلبية و المعارضة و في المجتمع المدني بكل امتداداته و الإعلام المتفرق الدم البارد بين كل هذه الجهات، ضعفا صارخا للقضايا الملحة، · و في معاناة خطابات كل هذه الجهات من ضعف المحتوى و خور المناهج لفرط الضعف عن استنباط أو اقتراح أو تقديم أية مقترحات حلول من أي مستوى كانت لكسر الجمود و وخز الضمائر و إيقاظ حاسة الانتباه و تحقيق تقدم عملي ميداني يفرض نفسه على الواقع المتكلس حتى لا يظل يرمي على المسار الحتمي للبلد بظلال فشل كل نخبه عن لعب أدوارها التاريخية، و حتى لا يرسم ملامح واقع مضطرب جديد الله وحده أعلم بما سيحمل في طياته من مفرزات الـ”سيبة” الحاضرة فى الأذهان و على نسق جديد ينذر بما لا تحمد عقباه أجارنا الله من سوء المنقلب و سدد الخطى على حين غرة و أرشد إلى استخلاص العبر و التسلح بالشجاعة الأدبية لمواجهة امتحان الواقع بلا قناع و نبذ سياسة النعامة التي تدس رأسها في التراب لتجاهل الخطر الداهم.