الموقف من الصحابة: ملاحظات على توضيحات الأستاذ سيدي محمد ولد جعفر /
ردا على ملاحظات سجلتها بعد متابعتي لحلقة من برنامج حوار نواكشوط الذي يقدمه الإعلامي عبيد ولد إميجن على قناة الوطنية ،تتعلق بما يفهم منه انتقاص وتقليل من شأن بعض الصحابة رضوان الله عليهم –جرى على لسان الأستاذ سيدي محمد ولد جعفر- تفضل الأخير مشكورا بتوضيحات تلقيتها بصدر رحب وأحببت أن أسجل ملاحظات سريعة وعابرة على بعض ما ورد فيها مع الامتنان للكاتب الكبير على ما خصص من وقته للاطلاع على المقال المذكور.
أولا – ذكر الكاتب أنني قولته ما لم يقل وإن لم يتبرأ منه حينما ذكرت أنه قال إن” بعض الصحابة فسدوا وأفسدوا” وبالعودة إلى الحلقة تبين صدق مقالة الأستاذ فكلامه كما ورد حرفيا هو هكذا” هناك جماعة أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت وساءت سيرتها ظلمت وأفسدت” وتأكيدا لنفس الفكرة وتثبيتا لها حتى يعزز المعنى المقصود ويزيل الريب عن ما يقصده ،أعاد الصياغة بأسلوب آخر مشبع بنفس الصفات السلبية لكن هذه المرة مع تحديد النسبة التي اتصفت بهذه الصفات “كثر” إذ قال “وهناك كثر أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا ظلموا وأفسدوا وبالتالي بالنسبة لي لا أترضى عنهم ” و مع الاعتذار له عن تقويله مالم يقل يتضح أن صفه “الإفساد” موجودة في حديثه ولا يكون مفسدا إلا من فسد هو نفسه.
تنضاف إليها صفة الظلم .. وبالتأكيد فإن من وسم جماعة بتين الصفتين لم يبخل عليها ذما وقدحا وتبكيتا وتنقيصا وكلمة “كثر” تعني أن من كانوا سند الدعوة في بداية المشوار ومن تلقفوها عند البدء لم يستفد أغلبهم من نورها وهدايتها .. وهذا التوصيف ليس بدعا فقد ضللت بعض الفرق المعروفة “أكثر” الصحابة ولم ينج من سهام “التخوين” والنفاق” سوى قلة من “المنتجبين” ويطرح الأمر إشكالية كبرى تتعلق بالمعايير التي على أساسها تم هذا التصنيف المجحف بمن اختارهم الله لصحبة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ..ثم إن الإشكال يتعزز وتنخمر النسبة وتهوي في درك سحيق بالنظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين للأنصار حيث قال” يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي ، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي وَعَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي” وإذا كان من فسدوا وظلموا هم الأكثر بين الصحابة فكيف يستقيم قول الصادق المصدوق هذا إذ لو كانت القلة هي المهتدية لما كان لهذا الكلام دلالة لغوية ولا اجتماعية ولا منة ولا فضل. والغريب أن تزل أقدام أكثر من تلقوا الوحي وتلقفوه غضا طريا ومع ذلك تستقيم الدولة المسلمة ويشتد عودها في هذا الجو غير الصحي وغير النظيف..
أعد نظرا يا عبد قيس لعلما.. أضاءت لك النار الحمار المقيدا.
ثانيا: ذكر الكاتب النبي صلى الله عليه وسلم مرات في المقال دون الصلاة عليه ولو لم تعدد لفهمنا الأمر على أنه سبق قلم، أما وقد تعدد لزم التنبيه. فقال ” هل نترضى مثلا على الجماعة التي حاولت اغتيال سيدنا رسول الله وقال ” هم الذين طُردوا من المسجد بأمر من النبي” ولست أدري هل يعتبر الصلاة على النبي “بروتوكولا” غير ملزم شأنها في ذلك شأن الترضي على الصحابة على حد فهمه ، متجاهلا الآية الكريمة إن الله وملئكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” وقد أكد الحديث الشريف هذا المعنى ورغب فيه بالمثوبة والخير الكثير “من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات ” وقد ذكر العلماء رضي الله عنهم أن الصلاة عليه تجب مرة في العمر ومرغب فيها في ما عدا ذلك وتركها من الجفاء والتقصير في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال السيوطي رحمه الله “وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسأم من تكراره، ومن أغفله حُرم حظاً عظيماً” .ولا يمكن لمسلم عاقل قادر أن يحرم نفسه أجرا عظيما وعد به الشرع في نصوص قطعية الدلالة والثبوت لا يقتضي جهدا ولا مشقة وقد نهينا أن نجعل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بيننا كدعاء بعضنا بعضا وقد ذكر بعض العلماء أن عدم الصلاة والسلام عليه عند ذكره من ذلك “الدعاء” المنهي عنه في الآية.. وقال تعالى “لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه” ومن توقيره صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام عليه .
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. –
أشار الكاتب إلى الحديث الصحيح ” وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ”وخصص الحديث بصاحب الحادثة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قائلا إن ” الحديث ليس في الكل إنه في حاطب بن أبي بلتعة المهاجري ” وهو تخصيص يحتاج تنصيصا ودليلا أصوليا دامغا، إذ أن صيغة الحديث تدحض هذه الخصوصية فالحديث ورد بصيغة الجمع “أهل بدر” وتوالت الأفعال مقرونة بواو الجماعة وضمير الجمع المخاطب وأنى لمثل هذه الصيغة أن تكون خاصة برجل واحد.. قواعد اللغة العربية وبلاغة النبي صلى الله عليه وسلم لا تسفع بذلك فمن أين له أن المقصود بأهل بدر في الحديث هو حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فقط؟ وأن الضمير في غفرت لكم لا يشمل الكل .. أن تريني الشمس منتصف الليل أسهل عليك من أن تقنعني بذلك.. –
وتزداد الإثارة والغرابة بقوله ” كل مدح في السابقين تعممه كي تدخل رموزها، وكل ذم في معينين منهم يصرفونه عنهم ” توقفت كثيرا عند هذه العبارة وقف شعري من منطوقها ومفهومها. وأعملت الفكرة يمينا ويسارا على أفهم أن الحديث هنا عن “الصحابة” وليس عن “مافيا” يتأصل فيها الشر ويعم، بينما يختص الخير بفاعله .أليس من الطبيعي أن يكون هؤلاء وقد أنعم الله عليهم بالصحبة مشمولون بكل خير فالجماعة الفاضلة تتقاطع في الخير وإن مس الشر بعضها لا يعني ذلك أبدا تعميمه ..
وبالمقابل فالجماعات الشريرة يعمها السوء الذي تفعله وتشتهر به وإن حالف بعضها الصواب والخير يخص به.. هذا أمر مفروغ منه.. فحينما تتحدث عن قانت عابد في مجتمع فاسد يكون الأمر خاصا.. بخلاف حديثك عما يموج به عالم الأشرار من سوء وخبث.. وحينما تتحدث عن مجتمع فاضل وخير مجتمع على وجه الأرض بعد الأنبياء تتحدث عن الفضيلة والصدق والخير .. وما عدا ذلك نشاز
رغم أن موضوع الحديث هم الصحابة إلا أن مفهوم الصحبة غير جلي وغير محدد عند الكاتب فتارة تحاكي سم الخياط ضيقا “فأصحاب الصحبة الشرعية الممدوحون والمزكون في الغالب يبدأون من العهد المكي وينتهون بالحديبية”، وهو تصنيف يلغي صحبة عدد هائل من الأجلاء في طليعتهم صغار الصحابة رضوان الله عليهم وأبو هريرة وخالد رضي الله عنهما والأخير ذكره دون الترضية عليه ولم يشفع له أنه “سيف من سيوف الله” وإذا كانت صحبة النبي صلى اله عليه وسلم من الحديبية في السنة السادسة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة مع التصديق به والإيمان غير كافية لنيل هذا الشرف فتلك معضلة كبرى وخسارة عظمى ..وبالعودة إلى الذكر الحكيم نجد تفضيلا لمن أنفق من قبل الفتح وقاتل –على الاختلاف المعروف في معنى الفتح في الآية-. لكن خاتمة الآية تبشر الجميع ” وكلا وعد الله الحسنى.” وهل هناك أعظم من هذه البشرى. الكاتب بهذا التصنيف ضيق واسعا لا يلبث في ثنايا المقال أن يفتحه ملء فهمه على مصراعيه حتى يشمل المنافقين أو بتعبيره(الصحابة بالمفهوم الواسع )
وهنا يسرد قصة المنافقين الذين نزل فيهم قوله تعالى (وهموا بما لم ينالوا) بيد أنه جاء بمعلومة تحتاج مراجعة فاحصة إذ يقول إن الآية نزلت فيمن هموا باغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ويردف”وكانوا اثني عشر رجلا كلهم من قريش” هذه المعلومة الأخيرة لم ترد في التفاسير ففي القرطبي ” وهموا بما لم ينالوا يعني المنافقين من قتل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في غزوة تبوك ، وكانوا اثني عشر رجلا . قال حذيفة : سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عدهم كلهم . فقلت : ألا تبعث إليهم فتقتلهم ؟ فقال : أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيهم الله بالدبيلة .
قيل : يا رسول الله وما الدبيلة ؟ قال : شهاب من جهنم يجعله على نياط فؤاد أحدهم حتى تزهق نفسه . فكان كذلك وفي الطبري. (وهموا بما لم ينالوا)، قال: رجل من قريش، همّ بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له وقال آخرون: الذي همّ، عبد الله بن أبي ابن سلول, وكان همُّه الذي لم ينله، قوله: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وفي تفسير ابن كثير قِيلَ أُنْزِلَتْ فِي الْجَلَّاس بْن سُوَيْد وَذَلِكَ أَنَّهُ هَمَّ بِقَتْلِ اِبْن اِمْرَأَته حِين قَالَ لَأُخْبِرَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ هَمَّ بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ السُّدِّيّ نَزَلَتْ فِي أُنَاس أَرَادُوا أَنْ يُتَوِّجُوا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ هَمُّوا بِالْفَتْكِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غَزْوَة تَبُوك وفي ابن الأثير رواية تذكر أسماء هؤلاء ولا صلة لقريش بهم ،كما يصنفون في دائرة المنافقين وإليك الأسماء لتلاحظ عدم قرشيتها والمعروف عند أهل السير أن النفاق إنما كان بالمدينة ولم ينافق قرشي قط.
والأسماء كما أوردها ابن كثير ه..مُعَتِّب بْن قُشَيْر وَوَدِيعَة بْن ثَابِت وَجَدّ بْن عَبْد اللَّه بْن نبتل بْن الْحَارِث مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف وَالْحَارِث بْن يَزِيد الطَّائِيّ وَأَوْس بْن قَيْظِيّ وَالْحَارِث بْن سُوَيْد وَسَعْد بْن زُرَارَة وَقَيْس بْن فَهْد وَسُوَيْد بْن دَاعِس بَنِي الْحُبُلِيّ وَقَيْس بْن عَمْرو بْن سَهْل وَزَيْد بْن اللصيت وَسُلَالَة بْن الحمام وَهُمَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع أَظْهَرُوا الْإِسْلَام
. أبى الله ان يستر المنافقين فكان الجميع يعرفهم بأسمائهم ،ولحكمة بالغة تركهم النبي صلى الله عليه وسلم يعيشون مع المسلمين وإن نزل القرآن مكذبا لبعضهم وفاضحا للآخر ..وإطلاق صفة “الصحبة” عليهم لغو من القول وزور وبهتان عظيم ..يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مومنين.. تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.. ثم إن الحديث الذي ذكره الكاتب حجة له حجة عليه –وليست من باب أسلفني على أن أسلفك- فنهيه صلى الله عليه وسلم لخالد عندما خاصم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما جاء بصيغة العموم دع لي أصحابي وهي شاملة لكل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مؤمنا بما جاء به أحرى إن عاشره سنين عددا.
في ثنايا المقال خرج الكاتب عن السياق وانحرف عن الموضوع وسلك غير جادة المنهج العلمي متحدثا عن مقالي السابق بالقول ودفعت خياله الواسع ” فطاف فيما يدور الآن في العالم العربي حسب قراءته و”ما لكل ذلك من تأثيرات على عواطف الشعراء المرهفة “حسب تعبيره.. ولعل الخيال المجنح هو ما طاف به إلى “النووي الإيراني” ونحن في حديث علمي عن الصحابة وما يتعلق بذلك و إذا كان امتلاك “سربال نووي” له متعلق بالموضوع فليذعنوا – للعقيدة الصهيونية التي تمتلك “أسربا وسرابيل من النووي” في هذه أخطأت الحفرة وذبحت من القفا.و شمت لغير عاطس
أما الحديث عن دعوتي لتكممي الأفواه فلكل أمة معتقدات وثوابت ولكل مجتمع قيم ومفاهيم، وبلادنا من الله عليها بأن جعلها سنية المذهب والمحافظة على هذا المكسب واجب ديني وأخلاقي ووطني والدعوة إليه ليست دعوة لتكميم الأفواه ولكن لصيانة المقدسات وحفظ الثوابت .. فأنت مثلا لايمكن أن تطالب بتمزيق العلم الوطني على قارعة الطريق ولا يعني ذلك أن رفضه تقيد لحرية من يريد ذلك وأخيرا أستاذي الكريم ..أنت لست أفضل من خالد بن الوليد وقد طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع له أصحابه وأنا اقول لك “دع للنبي صلى الله عليه وسلم أصحابه” وصلت الرسالة..
دمتم بخير