لِمَ لا تبايعوه رئيسا لبلادكم؟
أيها الموريتانيون : لقد آن الأوان لأن تبايعوا السفير الأمريكي “لاري أندريه”، وأن تنصبوه رئيسا لبلادكم، وبرتبة رئيس فوق العادة وكامل السلطة أو مطلق الصلاحية بلغة أخرى.
لقد زار هذا السفير كل ولايات الوطن، ولقد قال على هامش إحدى زياراته بأن هناك فرقا كبيرا بين الاعتماد على التقارير للاطلاع على أحوالكم، والزيارات الميدانية، ولذلك فهو يقوم من حين لآخر بهذه الزيارات للاطلاع ميدانيا على أحوالكم. ألا يعجبكم مثل هذا القول؟ فَلِم لا تبايعونه وتنصبونه رئيسا لبلادكم، خاصة وأنكم قد علمتم، ومنذ مدة، بأنه لا حظ لكم في الرؤساء. ألا يستحق هذا السفير أن تبايعوه وأن تنصبوه رئيسا لبلادكم؟ ألم ينظف ـ وبكل تواضع ـ بعض الأواني لبعض الأسر؟ ألم يوزع على بعض فقرائكم ـ وبيديه الأمريكيتين ـ الإفطار في العشر الأواخر؟ ألم يتبرع لكم بقطرات من دمه الأمريكي الثمين؟ ألم يلبس قمصان منتخبكم الوطني؟ ألم يأكل المشوي في مطاعمكم الشعبية؟ ألم يلف رأسه بعمامة زرقاء من عمائمكم؟ ألم يحضر أعراسكم؟ ألم يرقص تحت خيامكم؟ ألم يفطر وزراءكم في بيته العامر؟ ألم يزر سجناءكم ويطالب بإطلاق سراح بعضهم؟ ألم يلتقط صورا وهو يتوسط مجموعة من بناتكم وأمهاتكم وأخواتكم، المنكب بالمنكب والساق بالساق، وكأنه كان قد ارتوى في صغره من لبن أمهاتهن؟ ألم يمنحه عمدة أعرق مدينة في بلادكم (مدينة شنقيط) شهادة مواطنة فخرية؟
لقد تركتم بلادكم لهذا السفير يصول فيها ويجول، متى شاء، وكيفما شاء، ولقد منحتموه شهادة مواطنة، فلم تبخلون عليه بعد ذلك كله بمنصب الرئاسة، خاصة وأنه قد أصبح يتصرف وكأنه هو الرئيس أو الحاكم الفعلي لهذه البلاد.
لقد آن الأوان لأن تطلقوا المبادرات، يا من عرفتم بإطلاق المبادرات، وقد آن الأوان لأن تطالبوا بتعديل دستوركم، لا لمأمورية ثالثة، ولكن للمطالبة بالسماح بترشح من لا يحمل إلا شهادة مواطنة فخرية للرئاسة، حتى يترشح السفير، وهو إن ترشح فلا بد وأن الكثيرين منكم سيصوتون له.
ألم يثبت هذا السفير بأنه أرحم بالفقراء من رئيس الفقراء؟ أَوَ لم يثبت بأنه أكثر إنسانية من الرئيس الإنسان؟ أَوَ لم يثبت في جنوب البلاد وفي شمالها، في شرقها وفي غربها، بأنه أكثر حيوية ونشاطا وحضورا من معالي الوزير الأول، ومن وزراء حكومته كلهم أجمعين؟
فيا أيها الموريتانيون : شرعوا لهذا السفير رئاسة بلادكم، من بعد ما قبلتم به حاكما فعليا لها، فأن يمارس هذا السفير صلاحيات الرئيس بصفة شرعية، لهو خير لكم وله من أن يمارسها دون أي وجه شرعي، أو أن يمارسها بشرعية لم يمنحها له إلا الرئيس الأمريكي السيد “باراك أوبوما”.
ألم يقل هذا السفير ذات مرة، بأنه ليس سفيرا لأمريكا في العاصمة “نواكشوط” فقط، وإنما هو سفير أمريكا في ـ وعلى ـ كل الأراضي الموريتانية، لقد قال ذلك ليبرر تحركاته وجولاته داخل البلاد، والتي تتم دون أي علم ولا أي تنسيق مع الجهات الأمنية. ألم يقل ذات مرة بأن الرئيس الأمريكي لم يعينه فقط سفيرا لدى الحكومة الموريتانية، وإنما عينه أيضا سفيرا للشعب الأمريكي لدى الشعب الموريتاني، لقد قال ذلك ليبرر بأن له مطلق الحرية بأن يقابل من الشعب الموريتاني من أراد، ومتى أراد، وكيفما أراد.
ألم يقل هذا السفير ذات مرة، وبصريح العبارة، بأن الرئيس الأمريكي كان قد كلفه بمتابعة بعض القضايا الحقوقية في موريتانيا، وبإيجاد حلول لتلك القضايا، ألم يقل هذا السفير، وأمام الملأ، بأنه سيهتم بملفين في غاية التعقيد: ملف العبودية وملف الزنوج في موريتانيا.
ففي ملف العبودية، ألم ينظم هذا السفير سلسلة من اللقاءات والنقاشات في مكتبه حول هذه القضية الشائكة، وقد دعا السفير لتلك النقاشات من دعا، وأقصى عنها من أقصى، وقد منح لنفسه بذلك الحق في أن يحدد من هو المعني بملف العبودية في موريتانيا، ومن هو غير معني بهذا الملف. ألم يقل هذا السفير، وقد صدق في هذا، وما هو بالصدوق، بأن ملف العبودية يشكل تهديدا جديا لوحدة البلاد، وانسجام مكوناتها الاجتماعية، في ظل غياب أي حلول مقبولة من مجمل الأطراف.ألم يقل بأن جهود الحكومة الموريتانية في هذا الملف مرتبكة، وغير فعالة، وبأن لديه مبادرة في هذا المجال، وبأنه سيعرضها على الأطراف المعنية في وقت لاحق.
أما فيما يخص الملف الثاني، ملف الزنوج، فإن هذا السفير كان قد اجتمع بتحالف أحزاب حراك زنوج موريتانيا، وقد نقل عنه خلال ذلك الاجتماع بأنه قال بأن موريتانيا مهددة بحرب عرقية بين مكوناتها. ولقد تعهد السفير خلال اللقاء المذكور بأنه سيوصل مطالب حراك الزنوج في موريتانيا إلى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من أجل فك العزلة والتهميش عن السود في موريتانيا.
ألم يدهش هذا السفير بعض المشاركين في ذلك اللقاء، بمعرفته الدقيقة لتفاصيل الخلافات القائمة بين المكونات والأعراق، بل وحتى تفاصيل الخلافات الدقيقة بين القبائل والشرائح والفئات داخل المكونة الواحدة.
فما الذي بقى ولم يحشر فيه هذا السفير أنفه؟ فإن قلتم الدستور، فسأذكركم بما قاله هذا السفير في مقابلة مع جريدة موريتانية. لقد قال بأن تعديل الدستور وفقا للقانون أمر طبيعيجدا.
وإن حدثتموني عن القضاء، والذي لا يحق لهذا السفير أن يتدخل فيه، سواء تعلق الأمر بقضاء بلده الأول(أمريكا)، أو بلده الثاني ( السودان)، أو بلده الثالث (موريتانيا)، بل ولا يحق حتى لرؤساء الدول المنتخبين أن يتدخلوا فيه، فإن حدثتموني عن القضاء فإني سأذكركم بما قاله هذا السفير، وفي بيان منشور على المواقع. لقد قال في ذلك البيان، بأنه ينتظر قرارا باستئناف الإجراءات القانونية ضد معتقلي “إيرا”، ولقد طلب السفير من محكمة الاستئناف، في نفس البيان المذكور، بأن تراجع كل الأحكام دون تأخير، وإلى أن تتعامل مع سجناء “إيرا” بطريقة عادلة ونزيهة وشفافة. هذا بعض مما نشر من أقوال، ومن تحركات السفير الأمريكي في بلادنا في صفحة السفارة على “الفيسبوك”، وفي بعض المواقع والجرائد الموريتانية. أما أقوال السفير وتحركاته التي لم تنشر، والتي أريد لها أن تظل سرية، فلا شك أنها ستكون أخطر مما اطلعتم عليه، حتى وإن خُيِّل لكم بأنه لا شيء يمكن أن يكون أكثر خطورة مما اطلعتم عليه من أقوال ومن تحركات السفير الأمريكي في بلادنا.
هكذا يتصرف السفير الأمريكي، وكأنه ليس مجرد سفير يجب أن يضبط أقواله وتحركاته بالقوانين وبالأعراف الدبلوماسية، هكذا يتصرف وكأنه هو الحاكم الفعلي لموريتانيا.
ولقد فعل هذا السفير مثل ذلك من قبل، وفي دولة شقيقة تتشابه معنا في كثير من الأمور.
لا أجد فرقا كبيرا بين “عمر البشير” و”محمد ولد عبد العزيز” فكلاهما كان قد رفع من الشعارات الجوفاء ما تنوء بحمله العصبة من الرؤساء، وكلاهما لم يفعل شيئا ملموسا لحل المشاكل الكبرى، التي يعاني منها بلده، خاصة منها تلك المتعلقة بالوحدة الوطنية.
وكلاهما لم يفعل شيئا لتجاوز الأزمات السياسية مع خصومه السياسيين، حتى يتفرغ الجميع لحل المشاكل المعقدة التي يعاني منها البلدان الشقيقان.
وكلاهما قد خلق بيئة مناسبة لتنامي الدعوات العنصرية، وأعطى بذلك المبررات لتلك الدعوات العنصرية، وكلاهما كان قد خلق فجوات كثيرة يمكن أن يطل من خلالها السفير الأمريكي بوجهه غير الصبوح، وأن يطل منها كذلك كل صاحب دعوة انفصالية بغيضة.
وبالمختصر المقلق، فإن السفير الأمريكي في كل من البلدين ظل يتصرف وكأنه هو الحاكم الفعلي للبلدين.
وما حدث في السودان فقد عرفتموه. أما هنا في هذه البلاد، فإننا نسأل الله أن ينجيها مما حل بالسودان الشقيق، ونسأل الله أن ينجيها من هذا السفير القادم من السودان، والذي يتصرف على أرضها كما كان يتصرف على أرض السودان الشقيق، ومع ذلك فلا الحكومة غضبت، ولا المعارضة احتجت، ولا الشعب استنكر.
فيا أيها الموريتانيون : يمكنكم أن تواصلوا تفرجكم الساذج على تحركات السفير الأمريكي، ولكن عليكم أن لا تلوموا إلا أنفسكم، إذا ما استيقظتم على فاجعة بعد حين، كما استيقظ من قبل ذلك إخوة لكم في السودان على فاجعة، لم ينتبهوا لها إلا بعد أن حلت بأرضهم. لم ينتبهوا لها، وذلك رغم أن كل العلامات الكبرى والصغرى لقرب حدوث تلك الفاجعة كانت بادية للعيان.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل