العمى أحب إلي مما يدعوني إليه
تلقيت الليلة اتصالا هاتفيا من برلماني في الأغلبية الرئاسية، أعطاه الله بسطة في المال. وطلب مني لقاء مستعجلا وفهمت من كلامه أنه يريد أن يكون بعيدا عن الأنظار، فاتفقنا علي الزمان والمكان، وعند لقائنا وبعد تبادل التحية داخل سيارته، فاجأني بقوله:
“إنْتَ عَيْنيكْ ذَلِّ خالِڴْ الْهمْ أيّاكْ ماهُ امْتينْ”، فأجبته مستفهما: “أمَالْهُمْ أثرهمْ؟” فكان جوابه: “لقد قرأت تدوينك التي تحدثت فيها عن ذهابك الي طبيب العيون وكتب لك نظارات”. قلت له هذا أمر عادي، من هو في سني من الطبيعي ان يعاني من نقص في البصر.
عندها أوقف سيارته في مكان خفي والتفت إلي قائلا: “ماموني نحن لم يحصل بيننا اتصال مباشر في الماضي، رغم أن كل واحد منا يعرف الآخر وأنا شخصيا أقدركم وأعرف مكانتكم الاجتماعية والصحفية ومتأسف جدا لما حصل لكم من ظلم وقد قررت أن أتصل بكم، أنا كما تعلمون انتخبت نائبا في الاغلبية في الانتخابات الماضية، وأنتم تعرفون بحكم تجربتكم الطويلة في العمل وخاصة مواكبتكم لنشاطات البرلمان خلال السنوات الماضية، ما يتطلبه عمل البرلمان من دراسات للمشاريع القوانين وأن نجاح أي برلمان يتوقف علي مداخلاته في الجلسات وبما انني حديث عهد بهذا المجال إضافة إلي انشغالاتي التجارية، قررت أن اتصل بكم لأطلب منكم مساعدتي مقابل مبلغ مالي نتفق عليه وأريد موافقتكم وأن يبقي الأمر سرا بيننا”.
قلت له قبل أن نتفق علي المبلغ المالي، يجب أن أعرف ما هي المساعدة التي تريدون مني وهل بإمكاني الوفاء بها؟.
قال إنه يريد مني ان احضر له كلمة أثناء كل جلسة علنية للجمعية الوطنية ويقرأها أمامي حتي يتقن قراءتها (ضحك وقال: نحن هذا التجار ما صبن الكرايَ) مؤكدا علي سرية الموضوع وعلي اننا سنتفق علي طرق اللقاء في حال موافقتي.
فأجبته بأن هذا ممكن لاكن بشرط أن يوفر لي نصوص مشاريع القوانين التي ستناقش خلال تلك الجلسة، فرد علي بقوله: “ذاكْ مَاهُ مُهِمْ آنَ المهم عندي أن تكون كلمتي تمجد فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتشيد بانجازاته وتهاجم المعارضة، هذا هو المهم عندي”.
قلت له هذه المهمة لا يمكنني القيام بها سامحني، فدار بيننا نقاش طويل، خلاصته أنه مستعد لأن يقدم لي مبلغا شهريا نتفق عليه أو مبغا عن كل كلمة كتبتها له، شريطة التزامي له بكتابة كلمة تمجد ولد عبد العزيز وتهاجم معارضته وأن يظل الأمر سرا بيننا وهي العروض التي رفضتها جملة وتفصيلا وتفرقنا.
وكانت آخر كلمة قالها لي: “كنت بعد لاه تجبر باش تشر بصارات”، فأجبته بأن العمي أحب الى مما يدعوننى اليه، فهل كنت علي صواب؟
(يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
ماموني ولد المختار