تسمية المطار/ محمد الأمين محمودي
تاريخنا عجيب وغريب، ماضينا يكتب بألف اصبع فتسمعه الف اذن واذن والغرابة تكمن في ان لا احد منا قرأه الا بما يخدم هيمنته التي يسميها بالسيادة..
ولعل الجدل المثار حول ام التونسي هذه الأيام ليس الا احد ابرز تجليات الأزمة التي نعيشها انها ازمة ورثناها وسنورثها. لو كنا طبيعيين لتركنا للمواطن الموريتاني العقيد ولد ابيبكر الحق في تقييم المعركة كما يريد فلإن كانت ملكا مشاعا وتضحية من اجلنا جميعا فهو احدنا واحد من خدموا الجيش الموريتاني وحسب علمي فهو احد الخارجين من هذا الجيش بلا رخصة للصيد ولا ميدالية ولا قطع ارضية عن خدمته لعقود،ولأنه موريتاني ولأن المعركة مجد له ولنا فله الحق في تقييمها تماما كما له الحق في ان يطالب بتسمية المطار على منت البار او ولد داداه او بيرام او من يريد..
ببساطة لأنه موريتاني ولأن المطار يعنيه، هذا اذا لم نأخذ بالاعتبار انه احد افضل ضباط البلد ومن المعلوم انه خدم المؤسسة العسكرية والوطن في ظروف صعبة لعل الجميع كانوا سيطلعون عليها لو انه لم يكتب المقال الذي قدم فيه بعض المقترحات ككل المواطنين وهي اقتراحات على كل حال لن تكون مهمة لأن الرئيس حاذق وعاقل ويعرف مالانعرف ومالا يعرفه الضابط الميداني المتقاعد. بالنسبة لي يمكن لأحدهم ابداء عدم الاكتراث بمعركة ام التونسي انطلاقا من انها لا تعني له اي شيئ ، له تاريخ يخصه وجغرافيا الفها وقصص تربى عليها..هل هي المفضلة هل هي المجد الأثيل بعينه..الله اعلم..لكنها اقرب اليه ويحسها اكثر من غيرها وهو احساس استمد قوته من عدم ايماننا بصدق وموضوعية من كتبوا التاريخ من ابناء هذا البلد.
يتساءل الكثيرون هل كان المطار سيحمل نفس الاسم لو انه دشن في عهد معاوية ولد سيد احمد الطايع؟ لا اعتقد هل كان المصفقون من اعضاء حزب الشعب ليتركوا الرئيس الأول والمؤسس المختار يختار اسما للمطار من خارج محيطه التاريخي والجغرافي، كان المطار حينها سيحمل وبإرادة شعبية اسم احمد الديد او بيادة او الشيخ سيديا رحمهم الله ، وهل كان غيرهم في نفس الحيز الجغرافي ليقترحوا غير الزعيم حرمة ببانة او الأمير ولد عمير..
هكذا ستجري الأمور لو ان المطار دشن في عهده لأن كل مواطن في هذا البلد له ابطاله وعلماؤه وثواره وامجاد تخصه وقد غذى انعدام الثقة بين مكوناتنا القبلية والعرقية مثل هذا الشعور.
بالنسبة لي لكل الحق في ان يعتقد عن اسلافه مايعتقد ولكل واحد منا الحق في ان يشيد منظومة امجاد تخصه ويرتاح لها غير ان الحقيقة المرة هي ان جميع الموريتانيين ارتموا في أحضان المستعمر وتسابقوا لمص ثدييه وفي ذلك نشبت معارك ومات اقوام ولكل تفسيره لموقفه مايجعل وصفنا لشخص بأنه عميل نوع من التجني والظلم المتعمدين فأحدهم شرع دخول المستعمر بحثا عن الأمان لقومه ولعامة المسلمين وذاك قاتله وحاربه لأنه بالنسبة له يستعمر ارض المسلمين، وهذا دافع عن الفرنسيين لأنه يعتقد انهم المخلصون وآخر قتل هذا لأنه اعتبره عميلا لهم، اما ابن من يسمى بالمجاهد فقد ارتمى في احضان المستعمر لأنه خلص الى انه يرتكب اخف الضررين، يحدث كل هذا في تاريخهم، ولم يقل احد منهم للآخر “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”لعلمه بأنه سيتولهم لو اتيحت له ذات الفرصة ولمعرفته بأنه ان حاربهم فلأن مصلحته القبلية او الفردية تقتضي ذلك…
انها موريتانيا التي نتحدث عنها باعتزاز ونصفها بكل الأوصاف انها موريتانيا التي لم يفكر من يسمون فيها بالمقاومة الدينية او العسكرية لم يفكر احدهم في رفع الظلم عن العبيد والاماء والرعاة والصناع والمستضعفين.
من جهتي ارى ام التونسي كما يراها اهلها اذ تندب الموافقة في مالاحرج فيه، و حيث ان كتاب التاريخ لم يستطيعوا الى اليوم تقسيم المحاربين في تلك الفترة الى مقاومين وعملاء بقيت حائرا كغيري اجامل هذا وذاك واحترم لهذا تاريخه ولايمكنني في جميع الحالات ان اعتبر معركة بعينها تمثلني خاصة تلك التي يقتتل فيها طرفان من سكان هذه البلاد، فالمقاتل منهم في الجيش الفرنسي يموت متأبطا فتاوى اجازت له ذلك لأنه يدافع عن مخلصي المستضعفين من المسلمين اما من يقاتل النصارى فيتشبث بالأصل وهو الجهاد…امر يربك الألباب.
دعونا نتجاوز هذا النقاش فالأكيد ان شهداء ام التونسي قاتلوا المستعمر ودحروه لكن هل هم اول او آخر من فعل ذلك؟ هل ام التونسي هي المعركة الوحيدة؟ اذاكان الأمر كذلك فهيا نغير محتويات كتب التاريخ المدرسية،اما في حال الجواب بلا وذلك الراجح عندي فكيف نفسر اختيار هذا الاسم بالذات في هذه الفترة بالذات…
اشم رائحة التملق للحاكم الذي لا اعتبره شخصيا الوريث الشرعي لمجاهدي قبيلته الشرفاء…لايمكنني ان اربطه بها الا حين يسالمني ويعود الى بيته وحمامه .. تماما كما لا يمكنني ان اربط بين صاحب البرتقالة المعتدي سابقا على الصحفي حنفي وبين هذه المجموعة التي اثرت تاريخ البلاد واقتصاده.
كان الأولى بمن يبحثون للمطار عن اسم هذه الأيام ان يسموه المطار او مطار انواكشوط او مطار المختار ولد داداه او مطار محمد ولد عبد العزيز او مطار ولد امسيكة او كان صيدو او مطار لمعلم او مطار موريتانيا ونترك ام التونسي لمنشأة اخرى على ان نمنح اسماء المعارك الأخرى لمشاريع تدشن معها في ذات الوقت..
إنها لعنة النظرة الجائعة للتاريخ…انها عجز الدولة عن توفير الأسباب التي تجعلنا ننظر الى التاريخ بحيادية فبالتاريخ يعيش اقوام وبه ارزاق آخرين وبه وهي الأفظع كبرياء من لا يملكون من متاع الدنيا الا الكبرياء الفقيرة…
لو انهم اخروا التسمية قليلا حتى لانقلاب القادم لكان ذلك افضل واكثر “ترشة” حينها سيكون الرئيس مثلا من منطقة الشرق ويمكن ان يمنح الاسم دون ان يُتهم بالانحياز لقبيلة الرئيس او جهته، اما الآن فلأن البلاد لعزيز فالأفضل اذا كان لابد من اسم معركة ان تحمل المنشأة اسم مطار لقويشيش او وديان الخروب …
وكان الأولى اصلا بالعلماء والمقاومين المجاهدين ان يرتبوا البيت قبل المواجهة بشقيها العسكري والعلمي حتى نتساوى في احساسنا بهذه المقاومة اما وقد فعلوا ودخلوا في حروب مقدسة لدى كل فاعل فيها فقط لا غيره فالكثيرون ينظرون الى تلك الحروب على انها لإعلاء شأن “النبلاء” واضعاف الضعفاء اكثر من امعلمين واحراطين وآزناكة وغيرهم كتاب التاريخ سيغربلون تلك المرحلة وهذه يوما من الأيام، لكن فقط من يقف منهم شامخا غير خائف من مقولة” من غربل الناس نخلوه” الشيئ الذي يستحيل هذه الأيام فالمؤرخون صناعة لهذه القبائل والأمجاد الزائفة في مجملها وعلى كل اضم صوتي للقائلين بتشريف المطار الجديد بإعطائه اسم مطار المختار ولد داداه الدولي ويعرف اختصارا ب