عندما تعاقر قوة “السيبة” مسلكَ الديمقراطية
صحيح أن الشعب الموريتاني تقبل منذ الوهلة الأولى تباشير الديمقراطية بقبول حسن لكنه سرعان ما لم يُنبتها منبتا حسنا كما فعلت شعوب أخرى فقطفت ثمارها اليانعة و تمتعت بمذاقها الحلو و ألوانها الزاهية.
و بالطبع فقد كان لحكم “السيبة” و مقتضياته في ذلك النكوص يدا طولى و تأثيرَ السيد المطلق و الموجه الأوحد إلى المسلك المبتغى و المنهج الثابت المتبع منذ ما قبل الدولة المركزية. و لما أن الأمر هو ما كان فقد تعثر المسار الديمقراطي في كل مرة ظهرت من وراء حجب الإرادة السلبية الواقفة بالمرصاد بوادرُ إمكانية سعي إلى أي تغيير عسى يفتح العيون على مدى التأخر عن الركب من حول هذا البلد و العجز عن الحصول على قصعته من وجبة العصر الوافرة. و مع أنه كان لزاما أن تنبري على ضوء كل تلك النفحات من بؤر الديمقراطية التي عمت وجه الأرض نواة من نخبة رفض الجمود المكسورة الخاطر و المصفدة بأغلال قوى “السيبة” العاتية. و لأن “السيبة” فعلُ تعمد الإبقاء على قوالب الماضي فهو متعدي في تصريفه إلى رفض الانصياع إلى كل مظاهر المطالبة بمسايرة متطلبات دولة المواطنة و الانصياع من خلال القفزة الحقوقية الكبرى ـ التي عرت ملامح سافرة من علامات “السيبة” متمثلة في مظاهر باقية من ممارسة الاسترقاق و النظرة الدونية لبعض شرائح المجتمع و ما ينجر عنها من غبن و تهميش و إقصاء ـ لوجوب بناء دولة القانون التي تنشر العدل و تفتح به الباب واسعا على الديمقراطية الحقة التي لا تميز في تشكيلات الأحزاب، التي تخوض غمار تحويل البلد في سياقها و حماها، إلا بما تقدم من برامج بناءة و خطابات موحدة و استشراف رصين للمستقبل الزاهي عملا بفرضية أن الديمقراطية كما يبين “الان تورين” هي ” نسق مركب من عدة عناصر اجتماعية وحقوقية واقتصادية وفردية ومعرفية مترابطة ومتفاعلة قائمة على الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي حيث لا قيمة للعملية الانتخابية إذا لم ترافقها حريات واسعة للتجمع والتعبير وخطط التنمية البشرية المستدامة والإصلاح السياسي…”، و أنها الأحزاب مطالبة أيضا و بالدرجة الأولى في أنشطتها و في صميم خطابها و مقتضى عملها في المقام الأول تلك أن تسعى إلى: • تفكيك آليات الولاءات القبلية و الاثنية من ناحية، • وتنمية و بلورة الجماعات التي تؤمن بالديمقراطية ودولة المواطنة والقانون وترفض التمييز بين المواطنين على أسس عرقية و طبقية و جهوية و ترفع شأن الدين وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة من ناحية أخرى. و في ظل بُعد هذه الحقيقة عن واقع الحياة السياسية في هذه البلاد و معاقرة حُكم “السيبة” الراسخة للديمقراطية المتحفزة ـ واقع لم تستطع أن تحجبه كل الأقنعة المنمقة، المستخدمة بإسهاب على خشبة مسرح السياسة، عن السفور و الجرأة في كلا “مصري” الأغلبية و المعارضة جمعا لا تفصيلا ـ فإن الحوار الذي تشرأب إليه أعناق العامة من الشعب التي يساورها الأمل في أنه قد يأتي لها بجديد يخرجها من قمقم “السيبة” و يحررها من ظل سيوف عُتاتها المسلطة على رقابها و الحاجبة رؤيتها عن آفاق التحول الذي تدغدغ نسائمُه شعوب بلدان العالم من حول بلدها، يظل من رابع المستحيلات و بعيد الحصول.. لأنه إن تحقق هذا الأمر فسينجلي ليل “السيبة” و سينبلج فجر الديمقراطية الحوارية.
الولي ولد سيدي هيبه