أيها المواطن: إنهم يسرقونك!!
ظلت أسعار النفط في تصاعد مستمر في عهد الرئيس السابق، ففي يناير 2008 وصل سعر البرميل إلى 100 دولار، وفي 12 مارس من نفس السنة تخطى حاجز 110 دولارا، وفي 9 مايو تخطى حاجز125 دولارا، وفي 21 مايو وصل إلى 130 دولارا، وفي 22 مايو وصل إلى 135 دولارا، وفي 26 يونيو وصل إلى 140 دولارا، وفي 3 يوليو وصل إلى 145 دولار، وفي يوم11 يوليو 2008، وصل سعر البرميل إلى 147 دولارا، وهذا هو أعلى سعر يصله برميل النفط في كل تاريخه، وذلك منذ أن أصبح النفط سلعة تباع وتشترى.
وبعد انقلاب السادس من أغسطس بدأ سعر برميل النفط في الانخفاض إلى أن وصل بعد خمسة أشهر من الانقلاب إلى أقل من 40 دولارا للبرميل، وسيظل سعر النفط في تذبذب خلال سنوات الرئيس الحالي، وإن كان الانخفاض هو الأغلب، ويكفي أن نعرف بأن سعر برميل النفط في العام 2015 لم يتجاوز 62 دولارا. أما في أيامنا هذه فإن سعر البرميل قد وصل إلى أقل من 40 دولارا. في الفترة التي كان فيها الرئيس السابق يشترى برميل النفط ب147 دولارا، فإنه كان يبيع لتر المازوت ب 250 أوقية للمواطن الموريتاني . أما الرئيس الحالي فإنه يبيع للمواطن الموريتاني لتر المازوت ب 384 أوقية، أي بزيادة 134 أوقية عن السعر الذي كان يبيعه به الرئيس السابق، وذلك رغم أن الرئيس الحالي أصبح يشتري برميل النفط في أيامنا هذه بسعر أقل من 40 دولارا للبرميل. حسابيا، وإذا ما استبعدنا كل العوامل الأخرى، فإنه ما دام الرئيس السابق كان يشتري برميل النفط ب147 دولارا ويبيع لتر المازوت ب250 أوقية، فإنه كان على الرئيس الحالي الذي يشتري برميل النفط ب40 دولارا أن يبيع لتر المازوت للمواطن الموريتاني بسعر لا يتجاوز 69 أوقية، بدلا من 384 التي يبيعه بها في أيامنا هذه. وبهذا المنطق السليم رياضيا، والذي يستبعد كل العوامل الأخرى، فإنه يمكننا القول بأن الحكومة تسرق من المواطن الموريتاني 315 أوقية في كل مرة يشتري فيها هذا المواطن لترا من المازوت من عند أي محطة بنزين. وبالمقارنة بين الأسعار العالمية والمحلية في عهد الرئيسين السابق والحالي، فإننا سنجد بأن سعر برميل النفط كان قد تراجع في الأسواق العالمية من 147 إلى 40 دولارا، أي بنسبة 73%، ولكن ذلك التراجع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية ستصاحبه زيادة كبيرة في أسعاره في أسواقنا المحلية، حيث سيرتفع سعر لتر المازوت من 250 أوقية التي كان يباع بها في عهد الرئيس السابق إلى 384 أوقية التي يباع بها في عهد الرئيس الحالي، أي أن السعر المحلي قد زاد بنسبة قدرها 53%. إنها عملية سرقة مكشوفة، ولكن ورغم ذلك، فإن الحكومة ما تزال ترفض الاعتراف بما تقوم به من سرقة مكشوفة، بل أكثر من ذلك، فلقد حاول “رئيس الفقراء”، وأكثر من مرة، أن يبرر عملية السرقة هذه بحجج واهية. الحجة الأولى : يقول الرئيس بأنه لن يخفض أسعار المحروقات إلا بعد أن تستعيد الدولة كل المبالغ الضخمة التي كانت قد أنفقتها في السنوات الماضية في دعم المحروقات. إن الرئيس ـ وبهذا المنطق الغريب ـ ليعتبر بأن العلاقة بين الدولة والمواطن لا تختلف عن تلك العلاقة التي تربط بين التاجر وزبونه، فالتاجر يمكنه أن يقدم قروضا لزبونه، ولكن، وفي كل الأحوال، فإن الزبون ملزم بتسديد تلك القروض كاملة، ودون أن يبقى منها أوقية واحدة. بهذا المنطق التجاري الصرف فإن “رئيس الفقراء” يصر على أن يسدد له المواطن الموريتاني كل الأموال التي كانت الدولة قد أنفقتها في السنوات الماضية، لدعم سعر المحروقات. كان من المفترض بالرئيس الحالي (رئيس الفقراء)، أن يكون أرحم بالمواطن من الرئيس السابق، ذلك ما كنا نتوقعه من “رئيس الفقراء”. أما أن يجبر “رئيس الفقراء” المواطن الموريتاني على أن يسدد كل الأموال التي كان الرئيس السابق قد دفعها لدعم سعر المحروقات من أجل التخفيف من معاناة المواطنين، فإن ذلك لمن الأمور التي تعطينا الحق في أن نشكك في لقب “رئيس الفقراء” الذي كان قد تم منحه للرئيس الحالي. ولو أن الأمر توقف عند حد استعادة كل المبالغ التي أنفقت في السنوات الماضية لدعم أسعار المحروقات لهان الأمر، ولكن الكارثة بأن أطماع الرئيس الحالي لم تتوقف عند استعادة تلك المبالغ التي أنفقت في دعم أسعار المحروقات. لقد صرح الرئيس في وقت سابق بأنه لن يخفض أسعار المحروقات، إلا من بعد أن يستعيد 20 مليار أوقية كانت الدولة قد خسرتها في دعم المحروقات. تقول بعض التقارير الرسمية أن الدولة ربحت 20 مليار أوقية من المحروقات، فقط في الأشهر الست الأولى من العام 2015 . وهذا يعني أن الدولة قد استعادت في النصف الأول من العام 2015 كل المبالغ التي كانت قد خسرتها سابقا في دعم سعر المحروقات، فلماذا لا يتم خفض سعر المحروقات بعد أن تمت استعادة كل المبالغ التي تم دفعها لدعم سعر المحروقات في السنوات الماضية. يمكنكم أن تلاحظوا بأننا تحدثنا فقط عن أرباح الدولة في النصف الأول من هذا العام. أما إذا ما تحدثنا عن الأرباح التي حققتها الدولة في السنوات الأخيرة فسنجد أن الأرباح قد وصلت ـ حسب بعض التقارير ـ إلى ما يقترب من 200 مليار أوقية، أي أن الدولة قد استعادت ما أنفقته في دعم المحروقات عشر مرات. الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هنا هي أن المسألة لا تتعلق باستعادة مبالغ كانت قد أنفقت في السنوات الماضية في دعم سعر المحروقات، وإنما هي تتعلق بعملية تربح غير مسبوقة، كان المواطن الموريتاني هو ضحيتها الأولى. الحجة الثانية: لعلكم تذكرون تلك الحجة الغريبة التي كان الرئيس قد جاء بها لتبرير رفع الدعم عن أسعار المحروقات. لقد قال الرئيس حينها بأن الدولة لا يمكن أن تستمر في دعم المحروقات، ولا يمكن أن تخسر مبالغ ضخمة من أجل توفير محروقات بسعر مخفض لشاب من أسرة غنية يكثر من استهلاك البنزين في جولات سياحية على شوارع العاصمة. بهذا المنطق الغريب برر الرئيس في وقت سابق رفع الدعم عن المحروقات، وبهذا المنطق الغريب يضيق الرئيس على المجتمع بكامله، وذلك مخافة أن يستفيد شاب منحدر من أسرة غنية من ذلك الدعم عند شرائه للترات من البنزين من أجل القيام برحلة سياحية في شوارع العاصمة. بالمناسبة فهل نحن في العاصمة نمتلك شوارع فسيحة أو مناظر خلابة تغري بمثل هذه الجولات السياحية؟ أو ليست شوارع عاصمتنا مليئة بالمستنقعات والقمامة؟ أو لا تشهد أغلب تلك الشوارع زحمة مرورية في أغلب الأحيان؟ فما الذي يغري بالقيام بجولات سياحية على شوارع عاصمة القمامة والمستنقعات والزحمة؟ على الرئيس أن يعلم بأن بإمكانه أن لا يخفض أسعار المحروقات، وبإمكانه أن يستمر في التربح على حساب المواطن المسكين، دون الحاجة لتقديم مبررات لذلك. على الرئيس أن يرتاح ويطمئن، فهو سيبقى بإمكانه أن يتربح دائما على حساب المواطنين، ودون أن يحتج أي أحد.
حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل