التاريخ الإجرامي للعصابة الحاكمة / سيدي علي بلعمش
يكون الإجرام نمط حياة جماعي حين يستمد وجوده من معاناة اجتماعية تنتج ثقافة تبريريه ليصبح فضاء المحيط حاضنة لمنطق إجرامي يحفر مجراه في ردة فعل عقدة جماعية تستثير عصبية مأزومة تشيع احتقار الأخر لترميم مجد كاذب يبرر رفض الآخر له بالحقد و الحسد و الكراهية…
ثلاثة أجيال (عمر الجيل 30 سنة) تتحكم اليوم في مصير بلدنا : ـ جيل الأجداد ولد أكثره في المغرب، يبرر هجرة (لا يعترف بها) مع الغزاة الفرنسيين و الرماة السنغاليين بعد هزيمتهم على يد المقاومة الوطنية الباسلة، بعدما أصبح هذا الشعب البدوي الأصيل الذي يعتبر السليم مودعا، يقارنهم بالأفاعي. ـ جيل الآباء ولد جله في ضواحي اللوكة بالسنغال، يبرر عودة (لا يعترف بها) بتاريخ أجداد ضلوا طريقهم، فكان يحتاج أكثر إلى نسيانه. ليس من بين الأجداد من يحمل الجنسية المغربية و لا من بين الآباء من يحمل الجنسية السنغالية و إنما حملوا جميعا جنسية الضحية (موريتانيا) التي عملت الإدارة الاستعمارية و امتدادها الأخطر، على توزيعها على كل أعداء البلد، انتقاما من مقاومته الباسلة و دور علمائه التنويري في تصدي الإسلام في كل البلدان الإفريقية لإرساليات الاستعمار المدعومة بجيوشه الجرارة. ـ و جيل الأبناء الــ”عاث في الأرض فسادا” بمبررات “أرض السيبة” (من دون أن يعترف بها)، بـ”ثقافة” مشبعة بردة فعل المحتاج إلى مجد محسود كان ضحيته الشرف .. و وطن مفقود كانت ضحيته موريتانيا.. و يوم مشهود كانت ضحيته الديمقراطية، متخذا الإجرام وسيلة تفوق و الترهيب وسيلة دفاع و الكذب وسيلة بقاء.. جيل أخذ التجبر عند المقدرة من البربر و التذلل عند الحاجة من الأفارقة فكان أسوأ عدو و أسوأ صديق. كان باستطاعة هؤلاء أن ينسوا و يتركوا المجتمع ينسى ماضيهم (…) لكنهم قرروا أن يحملوا معهم عقدتهم حتى يطردوا من هذه الأرض (للمرة الثانية) مثل ما فعل بهم المغرب و السنغال (بطرق و وسائل أخرى) ، فلم يتركوا لمجتمعنا خيارا في مواجهة بطشهم ظاهر الانتقام و أنانيتهم المعبرة عن عقدة انتماء و سلوكهم بين الانحراف و ردة فعلهم الموغلة في الجهل و التخلف.. كان من مصلحتهم أن لا يفتحوا هذا الجرح لأننا شعب متسامح قادر على تناسي كل شيء .. كان باستطاعتهم أن يفهموا أن مجتمعا طرد جيش الاستعمار و أجهض أحلام المغرب و أخمد نيران أطماع السنغال ( و هذه دول كبيرة و ثقافات خطيرة و جيوش عاتية)، لن تستطيع أن تخضعه حفنة مرتزقة أعمتها عتمة الجهل عن رؤية جبل المستحيل. إن الحديث في مثل هذه المواضيع محرج نعم، لكن السكوت عنه أصبح خيانة وطنية لأنه هو ما جعلهم اليوم يتمادون في احتقار هذا المجتمع و ازدرائهم بردة فعله و استباحتهم لكرامته و خيرات بلده.
في أحد اجتماعات القبيلة، قال لهم سيدي ولد داهي “لقد نذرت ما مضى من عمري لأوصل أحدكم إلى دفة الحكم و ها قد أوصلت اثنين منكم إليها و قد انتهت مهمتي” : هل تفهمون معنى هذه الرسالة؟ إن ما يحدث في موريتانيا اليوم أمر خطير: ـ خطير لأنهم استطاعوا أن يمسخوا تاريخ الإدارة من خلال وضع اليد على الحالة المدنية وتغيير كل الوثائق من عهد المستعمر حتى الحين للتغطية على نشاز حالتهم المدنية المزورة بالكامل لجيلين منهم على الأقل (مع استثناءات قليلة و معروفة من الجميع) ـ خطير لأن الجهة الوحيدة الضامنة لوحدة الوطن هي الجيش و قد استطاعوا مع الزمن انتقاء مجموعة مرتزقة من الضباط من خلال إنشاء وحدة بازيب المهددة اليوم للأمن و الاستقرار و الديمقراطية و المهددة أكثر لوحدة الجيش. ـ و خطير أكثر و أكثر لأن “النخبة” المدنية التي وضعوا على الواجهة للدفاع عن جرائمهم المنظمة، ليس فيها أي منهم : ولد محم، ولد الشدو، الكلبة، ولد الطيب، ولد حجبو، ولد ابريد الليل، ولد الكتاب، ولد أحمد مسكه، صاحب المبادرة المخجلة و رئيس مجلس الإدارة الجديد الدده سالم “علماء بنافه” (كما يسميهم الداعية ولد سيدي يحيى) و غيرهم كثيرون و معروفون من الجميع : هذه النخبة الممسوخة، المصفقة لكل من يصل إلى دفة الحكم، أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على البلد لأنها حولت النفاق إلى ثقافة و مصدر مباح للعيش أهم من أي شهادة و من أي كفاءة. يجب بتر هذا الخجل الوطني بلا رحمة و إنشاء قانون يجرم النفاق و قاموس يحدد الألفاظ الإباحية لغزله الركيك. لقد وصلت موريتانيا اليوم إلى وضع خطير جدا بشهادة الجميع و إدراك الجميع. و على من يحبونها أن يراجعوا أنفسهم انطلاقا من مسؤولياتهم الدينية و الوطنية و الأخلاقية و أن يفهموا أن الله حسيبهم ، فتذكروا قوله تعالي “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”إن أشد أمراض النفوس النفاق. لن نحاسب أحدا قبل اليوم بأي كلمة أو فعلة صدرت منه في حق شعبنا المهان ، لكن على من نذروا أنفسهم للنفاق لهذه العصابة الحاقدة أن يفهموا من اليوم أننا نذرنا أنفسنا لمواجهتهم في الأخبار ، في التقارير ، في المقالات، في القصائد، في الفيديوهات، في الأغاني، في لوائح الخونة . و هذا إعلان رسمي نتحمل فيه كامل مسؤولياتنا القانونية و الأخلاقية : لا نعرف أبا و لا أخا و لا صديقا، فاختاروا من تكونوا و حملونا كامل مسؤولية البقية. !؟ ماذا بعد، حين يصبح الموت المجاني على قارعة الطريق ، أمرا عاديا في موريتانيا؟ ماذا بعد، حين تصبح النسبة اليومية لعدد الاغتصابات تتجاوز النسبة السنوية لما قبل العصابة؟ ماذا بعد، حين تصبح العصابات المسلحة سيدة ليل نواكشوط؟
ماذا بعد، حين تصبح لفائف المخدرات أهم وجبة صباحية في المدارس الابتدائية؟ ماذا بعد، حين تصبح خمس بيوت من كل عشرة في نواكشوط وكرا للقمار أو الدعارة أو مخزنا لعصابات السطو الليلي على بيوت المواطنين؟ ماذا بعد، حين يصبح أبناء النخبة الحاكمة المحمية، هم من يقودون عصابات المخدرات و القتل و الاغتصاب؟
ماذا بعد، حين يمزق المصحف الشريف و تحرق أمهات الفقه الإسلامي و يسخر من الصحابة الأجلاء و يتهم سيد الوجود بالعشائرية و القبلية و الجهوية؟ لا يخفى على أي عاقل اليوم أن موريتانيا تتخبط في لعنة حقيقية، ليس أقلها أن يقودها راعي مخدرات و مزور عملات ، لا يخجله أن يعترف اليوم أن الصوت الذي أنكر بالأمس أمام كل الشعب الموريتاني في لقاء الشعب بالنعمة، هو صوته بالفعل .. و يترأس مجلس شيوخها منحرف حقير يقضي كل أيام إجازاته المفتوحة في كازينو “كاب فير” بداكار ..
إنها لعنة الذل و النفاق، فلا نامت أعين الجبناء..
ـ و لأن ليست لهم أي أرض يتعطرون بعشق نسائمها، يبدون غير قادرين على فهم أننا مصرون على الدفاع عن موريتانيا حتى آخر قطرة من دمنا ..
ـ لأن ليست لهم أي أرض ينغرس وجدانهم في عمق شرايينها، يبدون متفهمين جدا لمواقف “نخبتنا” المنافقة و مصدقين لولائها و تزلفها المهين.. ـ لأن ليست لهم أي أرض يحسون مذلة تدنيس أديمها، يبدون مقتنعين أننا قادرون على تناسي ما جلبوا إلى أرضنا من ويلات.. سنفتح على هذه العصابة الحقيرة حربا لا هوادة فيها حتى ندخلها واحدا واحدا في ما فتحت من سجون.. سنفتح على أي مأجور يقف دونها كل بوابات الجحيم ليظل عارا في تاريخه يخجل أبناءه و أبناء أبنائه..
فاحشدوا لنا ما استطعتم من قوة .. جندوا ما استطعتم من ببغاوات .. توعدوا .. شردوا .. انتقموا .. شهروا .. نكلوا .. حاكموا النوايا .. جرموا بالقرابة .. استهدفوا بالانتماء .. نعم ، وعد علينا أن نمحو هذا العار ..
نعم ، وعد علينا ، حتى آخر قطر دم .. “حتى آخر قطرة حبر على آخر سطر”
يتواصل