و هل لغة الاقتصاد… إلا الفرنسية في البلاد؟ / الولي ولد سيدي هيبه
نظم المعهد الموريتاني للدراسات الإستراتيجية يوم الخميس 3 سبتمبر 2015 بنواكشوط ندوة علمية تحت عنوان “بناء الإنسان الموريتاني في القرن الواحد و العشرين” ضمت ورشتين حول “الاقتصاد” و “التعليم و القيم و الحكامة”. و لما كان الحضور نوعيا على مستوى التناول و التقديم و المعالجة فقد تشكل من:
· وزراء مشرفين على قطاعات مختلفة، · وزراء سابقين ذوي تجربة مشهودة و بصمة معلومة، · خبراء وطنيين محليين ملمين بكل المواضيع و المحاور التي تم التطرق إليها، · خبراء وطنيين ذوي صبغة عالمية يديرون مكاتب فرعية لمنظمات دولية و أممية. و لما كانت المداخلات على قدر الموضوع من حيث الأهمية و “الإلحاحية” في الطرح و خطورة “الإهمال” و عدم التناول، مداخلات قدمت بعلميتها الرصينة فيضا من المعالجات و المعارف و المعلومات و الإضاءات و التوصيات و المقترحات و فتحت كذلك الأبواب واسعة للنقاشات و المداولات أمام كوكبة من المشاركين الذين كان كذلك إثراؤهم من خلال مداخلاتهم و إضافاتهم و دقة طرح استشكالاتهم من المستوى الرفيع و الرصين الذي صحح الاختلال و النواقص و سد الثغرات، لا لضعف اشتكته المداخلات العلمية الجزلة أو لنقص أو عيب منهجي اعتراها أو لعدم استقامة مخلة في التناول، و إنما هو الإثراء الذي أملاه المستوى العالي لهذا الحضور المتميز من أكاديميين، و باحثين، و طلاب، وإعلاميين، و مثقفين، و قدرته على الاستيعاب العميق و الفهم العالي و الإحاطة التامة و الإلمام الرفيع بكل جوانب المواضيع المطروقة و المطروحة على بساط النقاش و التبادل. و لكن الأمر الذي استرعى انتباه العديد ممن تابعوا أعمال الندوة حضورا و مراقبة و تقييما و مشاركة هو ما كان من هيمنة اللغة الفرنسية الطاغية على مجرياتها و اعتمادا شبه شامل لأغلب مواضيع المداخلات في الورشتين و إن بتباين شديد حيث كانت ورشة الاقتصاد فرنسية بامتياز في العروض و أغلب المداخلات من جمهور الحضور إلا ما كان من ثلاث مداخلات أكاديمية بدرجة عالية و اختصاصية نافذة بالغة باللغة العربية و إن تتخللها من حين لآخر المصطلحية الفرنسية و الانكليزية و الاستشهاد بالمدارس الاقتصادية الغربية و روادها. و هو الأمر الذي جعل العديد من المشاركين و المراقبين و المهتمين و الإعلاميين يتساءلون في نقاشات جانبية هل أن لغة الاقتصاد و السياسة التنموية و تحليل القضايا في مجال “التعليم” و “الحكامة” ـ دون موضوع “الأخلاق” وحده الذي له تنظيرا و تعليما و شرحا عديد الفرسان ـ هي وحدها الفرنسية باعتراف و إن يظل مُتَعَمَدَ “الضمنية” و معلن جرأة “التفنيد” هي وحدها المُجَازَة و القَادِرة على استجلاء مضامين البحوث و استنباط الحلول المترتبة عليها كلها لصناعة الإنسان الموريتاني الملائم لوعي و متطلبات و ضرورات و فهم القرن الواحد و العشرين و إستفادته من مزاياه المنقطعة النظير و التي لا حدود لها وعيا و فكرا و علما و سبل عيش كريم؟ و هل يعتبر الأمر مساسا بلغة “الضاد” التي و إن وسعت كتاب الله” لفظا و غاية” إلا أن أبناءها ما زالوا عاجزين عن إدراك أنها “لا تضيق عن وصف لآلة أو تنسيق أسماء لمخترعات” كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم، و لكن الناطقين بها ما زالوا على عتبة “العقدة” من لغات العالم الحية و هم غير مدركين أو غير آبهين بأنها أخذت قوتها ذات يوم من لغة القرآن العظيمة في دحض أهلها الرشيد لعقدة النقص فأتقنوها و ترجموا متونها الثرية و نهلوا من ينابيعها التي لا تنضب. أم هل أننا بما شهد نا خلال هذه الندوة في شقيها تجاوز لجدلية اللغة و الاستفادة منها علما أنه في نهاية المطاف تكون فرضا لا جدلا و في النهاية “اللغة لمن اتملك ناصيتها « En définitive, la langue appartient à celui qui la maîtrise » كما فعلت باتقان الانكليزية شعوب الهند و استراليا و كوريا و هونك كونك و الولايات المتحدة حيث قال أحد فلاسفتها “هالي” بأن الشعب الأمريكي و الشعب البريطاني شعبان تفصلها لغة، و وصولا إلى أن اللغة الانكليزية غير اللغة الأمريكية والعكس صحيح. و إنه بتجاوز جدلية اللغات استطاعت شعوب أن ترفع من شأن لغاتها الأصلية أو الأم بتعبير آخر لتحجز بجدارة مقعدا متقدما في قطار العولمة السريع و المريح في درجة الأولى.