مشاورات السابع سبتمبر: تزاحمت الموالاة فخرجت المعاهدة!!
(1)
إن القصد من تنظيم الحوارات والمشاورات والنقاشات هو أن تتزاحم العقول فيخرج الصواب، هذا هو ما يراد من كل نقاش أو حوار أو تشاور، ولكن ما حدث في قصر المؤتمرات فيما بين (7 ـ 14) سبتمبر فقد كان على النقيض تماما من ذلك.
ففي هذه الأيام لم تتزاحم عقول الموالين، وإنما تزاحمت أجسادهم، ولم يخرج “الصواب” من بعد ذلك التزاحم، وإنما خرجت كتلة المعاهدة بكاملها.
إن خروج المعاهدة ورفض رئيسها الدوري لحضور حفل الاختتام، وذلك بعد أن كان قد حضر لافتتاح المشاورات مطالبا بالتأجيل، ليؤكد بأن المعارضة وبكل أطيافها قد قاطعت لقاء الموالاة التشاوري. لقد قاطعت المعارضة أو غابت في مجموعها عن مشاورات السابع من سبتمبر: المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة؛ المعاهدة؛ مؤسسة المعارضة؛ حزب التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة (حزب صار ابراهيما)؛ حتى المعارضة التي ظهرت في الانتخابات الرئاسية الماضية والمتمثلة في حركة “إيرا” فقد غابت أو غيبت هي أيضا عن هذه المشاورات.
(2)
لقد تعود المشاركون في مشاورات السابع من سبتمبر أن يوجهوا سؤالا محددا إلى المعارضة التي قاطعت مشاورات السابع من سبتمبر. هذا السؤال يقول : لقد رفضتم “الحوار” فما هو البديل الذي تقدمونه؟
الجواب المختصر والسريع على هذا السؤال الذي تردد كثيرا في الأيام الأخيرة على شفاه الموالين هو أن المعارضة رفضت “الحوار” لأنها تريد فعلا الحوار!!
إن الذي جرى في قصر المؤتمرات لم يكن حوارا، ولذلك فمن رفضه لم يكن رافضا للحوار، بل على العكس من ذلك، فرفض المشاركة في “حوار 7 سبتمبر” قد يكون هو أقوى دليل يمكن تقديمه على التمسك بمطلب الحوار.
إن ما تم تنظيمه في قصر المؤتمرات لم يكن حوارا، وإنما كان محاولة لتشويه كلمة الحوار، ولإفراغها من محتواها ومن مدلولها، تماما كما حصل مع كلمات كثيرة أخرى أفرغتها الموالاة من مدلولها ومن محتواها الأصلي, ولعل المثال الأبرز الذي يحضرني في هذا المجال هو ما تعرضت له كلمة “مبادرة” من تشويه ومن تحريف، فحولتها الموالاة من كلمة حسنة السمعة إلى كلمة سيئة السمعة والصيت. لقد كانت هذه الكلمة تنمي روح الإيجابية في النفوس، وكانت تبعث الفرح والسعادة عند سماعها، ولكنها أصبحت في بلادنا ـ وبفعل التحريف الذي قامت به الموالاة ـ تزرع الإحباط في النفوس، وتتسبب في التعاسة والاكتئاب لكل من يسمعها.لقد أصبحت كلمة المبادرة تعني عندنا فقط تلك التجمعات القبلية أو تلك التجمعات التي يقوم بها “الأطر” للتنافس في التطبيل والتصفيق للأنظمة الحاكمة، وكان آخر ما ظهر من هذه المبادرات السيئة السمعة هو تلك المبادرات المطالبة بتعديل الدستور من أجل مأمورية ثالثة.
إن الذي رفض المشاركة في حوار السابع من سبتمبر، لا يمكن أن نعتبر بأنه يرفض الحوار من حيث المبدأ، بل على العكس من ذلك، فقد يعني رفضه بأنه متمسك أكثر من غيره بالحوار، ولا يريد لهذه الكلمة أن يتم تشويهها وإفراغها من معناها كما حدث مع المبادرات. ولقد أرادت الموالاة أن تشوه هذه الكلمة في قصر المؤتمرات في الفترة ما بين 7 إلى 14 سبتمبر، ولولا المقاطعة الواسعة من المعارضة لكان لها ما أرادت، ولولا هذه المقاطعة لظلت الموالاة تسمي ما جرى في قصر المؤتمرات بالحوار، ولما اضطرت لتسميته من بعد الإعلان عنه باللقاء التشاوري.
(3)
لقد سمعتُ أكثر من مرة من المشاركين في اللقاء التشاوري بأن المنتدى يطرح شروطا تعجيزية للمشاركة في الحوار، وقد أثار ذلك استغرابي، وذلك بسبب أني كنتُ قد سمعتُ من رئيس الحزب الحاكم بأن السلطة قد وافقت على كل الشروط التي تقدم بها المنتدى باستثناء شرط واحد وهو الشرط المتعلق بالحكومة التوافقية.السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : كيف تمكنت السلطة من أن تستجيب لشروط تعجيزية؟
إن ما تقدم به المنتدى لم يكن شروطا تعجيزية، وإنما كان مجرد ممهدات لاستعادة الثقة، وأغلب هذه الممهدات لو أنصف الدهر لما احتاج المنتدى أن يطرحها، وكيف يحتاج لطرحها، وبلادنا تنعم بديمقراطية لا مثيل لها في المنطقة، إن صدقنا الموالين؟
إن من بين هذه الممهدات يا سادة يا كرام، يا من تغنون بالليل والنهار بديمقراطيتنا التي لا مثيل لها في المنطقة، مطالب تتعلق بفتح الإعلام العمومي أمام المعارضة، وبوقف إقصاء أطر ورجال أعمال المعارضة، وبإعلان الرئيس لممتلكاته، وبحياد الإدارة، وبإبعاد الجيش عن السياسية. فهل هذه شروط تعجيزية؟ ألم يكن من المفترض بأن تكون هذه الشروط قد تحققت منذ فجر السادس من أغسطس، وبعد أن تم تصحيح المسار الديمقراطي الذي حاول الرئيس السابق أن ينحرف به عن مساره؟
يمكنني أن أؤكد لكم ـ يا من تشيدون بالليل والنهار بتجربتنا الديمقراطية ـ ـ بأنه وفي الوقت الذي كان فيه الموالون يتزاحمون في قصر المؤتمرات، ويتشاورون، كان هناك عدد من كبار الضباط يقضون عطلهم السنوية في بعض الولايات الداخلية، وكانوا في كل ليلة يعقدون اجتماعات سياسية و قبلية في المدن التي يقضون فيها عطلهم.
(4)
حاول بعض المشاركين في مشاورات السابع من سبتمبر أن يخلط بين “المصالح العليا للسلطة الحاكمة” و”المصالح العليا للوطن”، وحاول بعضهم أن يجعل من التغيب عن مشاورات السابع من سبتمبر، وكأنه تخلف أو تغيب عن نداء الوطن.
إن ما جرى في قصر المؤتمرات في الفترة ما بين (7 ـ 14) سبتمبر كان مجرد نشاط سياسي واستعراضي خاص بالسلطة وبموالاتها، ولذلك فمن تغيب عنه لا يمكن أن نعتبره قد تغيب عن مصلحة عليا للبلد، وإنما تغيب عن نشاط استعراضي لطيف سياسي، لا أكثر ولا أقل.
نفس الشيء يمكن أن نقوله عن المشاورات التي نظمها المنتدى في قصر المؤتمرات في الفترة ما بين (28 فبراير ـ 2 مارس) 2014، فالتغيب عن تلك الأنشطة لم يكن تغيبا عن مصلح عليا للبلد، وإنما كان تغيبا عن نشاط قامت به جهات عديدة من المعارضة، ومن غيرها، ترى بأن في تجمعها وفي تكتلها ما يحقق مصلحة عليا للبلد.
(5)
لقد تم تسجيل الكثير من المغالطات خلال أيام التشاور، ومن بين تلك المغالطات قول بعض المشاركين بأن للموالاة الحق ـ كل الحق ـ في أن تعمل على استقطاب بعض القيادات المعارضة، كما أن للمعارضة الحق في أن تفعل الشيء نفسه مع الموالاة. هذا قول صحيح، ولكن بشرط أن لا تدخل الدولة وأموال الشعب الموريتاني في عملية الاستقطاب هذه. ومن المغالطات أيضا، والتي ولم يسلم منها حتى البيان الختامي للقاء التشاوري هو أنه عند تعداد المشاركين خلال قراءة البيان الختامي، جاءت العبارة التالية:”من المنتدى الوطني من أجل الديمقراطية والوحدة: حزب تمام وكتل أخرى معارضة عديدة”.
لقد أصر المشاركون على أن يعتبروا بأن حزب “تمام” هو من أحزاب المنتدى، وذلك على الرغم من بيانات المنتدى النافية لذلك. كما أصروا أيضا على أن يضيفوا إلى المنتدى “كتلا معارضة عديدة”. ومن المعلوم لدى الجميع بأن المنتدى يتكون فقط من الأحزاب السياسية ومن المركزيات النقابية ومن منظمات المجتمع المدني ومن الشخصيات المستقلة التي تم ذكر أسمائها عند تأسيسه، ولا وجود إطلاقا للكتل المعارضة أو الموالية في هذا المنتدى، وخصوصا منها تلك الكتل التي تشكلت على عجل داخل قاعات قصر المؤتمرات، وخلال أيام التشاور.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل