من “واغادوغو” إلى “نواكشوط”
في يوم الجمعة الموافق 25 سبتمبر 2015 التأم أول اجتماع لوزراء الحكومة الانتقالية في بوركينافاسو بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الجنرال “جيلبير دينديري”. ولقد أصدر هذا المجلس جملة من المراسيم الهامة في نهاية اجتماعه، وكان من أبرزها المرسوم المتعلق بحل كتيبة الأمن الرئاسي ونزع سلاحها.
إن ما جرى من أحداث في بوركينافاسو في الأسبوع الماضي ليؤكد لنا من جديد بأن كتائب الحرس الرئاسي في البلدان الإفريقية كانت وما تزال تشكل أكبر تهديد للديمقراطية وللتناوب السلمي على السلطة، بل إن هذه الكتائب قد أصبحت تشكل خطرا على أمن وتماسك الدول الإفريقية. وإذا كان هناك من رسائل يمكننا أن نلتقطها من المحاولة الانقلابية الفاشلة في بوركينافاسو فستكون تلك الرسائل هي: 1 ـ إنه لا يمكننا أن نطمئن مستقبلا على أي اتفاق تتوصل إليه الأطراف السياسية في بلادنا ما دامت كتيبة الحرس الرئاسي توجد بشكلها وبتشكيلتها الحالية. لقد حصل شبه إجماع في بوركينافاسو على مرحلة انتقالية، ولكن كتيبة الأمن الرئاسي هناك فاجأت الجميع في يوم 17 بمحاولتها الفاشلة لإلغاء المسار الانتقالي الذي كان قد اتفق عليه البوركينابيون، وإبداله بمسار جديد لم تتفق عليه إلا مجموعة قليلة من ضباط كتيبة الأمن الرئاسي. 2 ـ لقد أكدت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بأن كتائب الأمن الرئاسي في البلدان الإفريقية لم تعد تشكل فقط خطرا على الديمقراطية وعلى التناوب السلمي على السلطة، بل إنها فوق ذلك كله قد أصبحت تشكل خطرا على وحدة الجيوش في البلدان الإفريقية وعلى تماسك وانسجام تلك الجيوش. لقد كادت الحرب أن تشتعل في بوركينافاسو بين الجيش وكتيبة الأمن الرئاسي، ولو أن مثل تلك الحرب اشتعلت لكان ذلك بداية فعلية لانهيار الدولة البوركينابية ولزوالها. إن مثل هذه الكتائب العسكرية المسلحة تسليحا جيدا، والتي تختلف عن بقية الوحدات العسكرية، من حيث التكوين والولاء، ومن حيث العقيدة العسكرية، لم تعد تشكل فقط خطرا على الديمقراطية وعلى التناوب السلمي على السلطة، بل إنها أصبحت تشكل خطرا على وحدة المؤسسة العسكرية وعلى انسجامها، وهذا هو الخطر الأكبر الذي سيبقى يهدد كل دولة افريقية لم تقرر أن تدمج كتيبة الحرس الرئاسي في جيشها الوطني. 3 ـ لقد أكدت المحاولة الانقلابية الفاشلة في بوركينافاسو بأن مطلب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة بإدماج كتيبة الحرس الرئاسي في مؤسسة الجيش الوطني كان مطلبا وطنيا وجيها، وبأنه على كل من تهمه الديمقراطية في هذه البلاد، وعلى كل من يهمه تماسك وانسجام ووحدة جيشنا الوطني أن يدعم هذا المطلب الوطني الوجيه. إنه لا يمكننا أن نحلم بديمقراطية حقيقية في ظل وجود مثل هذه الكتيبة، وإن تجريم الدستور الموريتاني للانقلابات سيبقى مجرد حبر على ورق ما دامت توجد كتيبة للحرس الرئاسي لا تخضع للمؤسسة العسكرية، ولا تأتمر بأوامر قائد الجيوش. 4 ـ لقد أثبتت أحداث بوركينافاسو بأن كتيبة الأمن الرئاسي لم يعد بإمكانها أن تحمي رئيسا، ولا أن تفرض رئيسا إذا ما قرر الشعب أن يدافع عن ديمقراطيته، وعن قراراته التي كان قد اتخذها بإجماع. لقد فشلت هذه الكتيبة في حماية الرئيس السابق (ابليز كامباوري)، ولقد فشلت أيضا في فرض قائدها السابق (جيلبير دينديري) رئيسا على بوركينافاسو. ولقد استطاع الشعب والجيش في بوركينافاسو أن يفشلا الانقلاب وأن يعيدا الرئيس الانتقالي إلى السلطة. صحيح أن الكلفة كانت ثقيلة (11 قتيلا ومئات الجرحى)، ولكن إرادة الشعب والجيش قد انتصرت في النهاية، وقد استطاعت تلك الإرادة أن تصدر مراسيم هامة بحل كتيبة الأمن الرئاسي، وبفتح تحقيق في أحداث السابع عشر من سبتمبر، وبمعاقبة كل من كان يقف وراء تلك الأحداث. فهل من الحكمة أن يغمض الموريتانيون أعينهم عن الذي جرى في بوركينافاسو؟ وهل من الحكمة أن لا يطالبوا الآن بدمج كتيبة الحرس الرئاسي في مؤسسة الجيش الوطني؟ وهل من الحكمة أن يواصلوا تجاهلهم لهذا الأمر إلى أن يستيقظوا في يوم من الأيام على محاولة انقلابية، وعلى موت وجرح العشرات من المواطنين، وعلى احتمال اشتعال حرب بين الجيش وكتيبة الحرس الرئاسي؟ تلكم أسئلة أترك لعقلاء الموالاة الإجابة عليها. وفي انتظار إجابات راشدة على تلك الأسئلة، دعونا نترك العاصمة “واغادوغو” والاجتماع المثير لمجلس وزراء حكومتها الانتقالية الذي كان قد استمر لأربع ساعات من يوم الجمعة (من العاشرة ضحى إلى الثانية ظهرا)، دعونا نترك العاصمة “واغادوغو” لنحط الرحال بالعاصمة “نواكشوط”، وذلك لكي نتوقف قليلا مع الاستقبال الذي خصصه الرئيس الموريتاني لاثنين من قادة المعاهدة في يوم الخميس الماضي. لقد تميز هذا اللقاء عن غيره من لقاءات الرئيس بقادة أحزاب المعاهدة، بأنه كان هو اللقاء الوحيد الذي استدعيت له وسائل الإعلام الرسمي، وكان هو اللقاء الوحيد الذي أدلى قادة المعاهدة في نهايته بتصريحات علنية من القصر الرئاسي. كما أنه تميز أيضا بأنه كان قد تم في وقت قد أصبح فيه البعض يتحدث عن إمكانية قيام المعاهدة بوساطة بين السلطة والمنتدى، وهو ما أشار إليه قادة المعاهدة في تصريحاتهم. ويمكن أن نضيف لذلك بأن هذا اللقاء كان قد تزامن مع إعلان الحكومة عن إيفاد بعض وزرائها إلى الداخل من أجل شرح نتائج اللقاء التشاوري (كان الأولى بالحكومة أن ترسل وزراءها في مهام أخرى تهدف إلى التخفيف من وباء الحمى ومن الانفلات الأمني ومن غلاء المعيشة ومن حوادث السير…). إن تزامن مثل هذه الأمور ليجعلنا أمام أحد احتمالين: الاحتمال الأقوى : أن الحكومة ماضية في حوارها مع نفسها، وأنها تريد بمثل هذه التحركات “العبثية” أن تقيم الحجة على المنتدى وأن تحمله المسؤولية في فشل الحوار، وربما تكون قد أرادت أن تقدم “رشوة” للمعاهدة من خلالها منحها صفة وسيط بين السلطة والمنتدى لعل ذلك يساعد في إقناع قادة المعاهدة بضرورة المشاركة في الجزء الثاني من حوار السلطة مع نفسها، وهو الجزء الذي كان قد تقرر له أن ينطلق من قبل السابع من أكتوبر، ويبدو أن ذلك الموعد سيتم تغييره. إن هذه الوساطة محكوم عليها بالفشل وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن المنتدى لا مشكلة له مع المعاهدة، وإنما مشكلته مع السلطة والتي لا تريد أن ترد على ممهادته التي كان قد تقدم بها في وقت سابق من أجل بناء الثقة، ومن أجل توفير الأرضية المناسبة لإطلاق حوار جدي وحقيقي. فلماذا كل هذا اللف والدوران الذي تقوم به السلطة؟ ولماذا تم إطلاق الأيام التشاورية؟ ولماذا تم إطلاق وساطة؟ فإذا كان الهدف من كل هذا هو مشاركة المنتدى في الحوار فكان الأولى بالسلطة أن تدخل بيت المنتدى من بابه، وأن ترد على وثيقته لتجد بأن المنتدى شديد التحمس لأي حوار جدي. الاحتمال الأضعف: أن تكون السلطة قد أخذت درسا من فشل اللقاء التشاوري، وأنها قد أصبحت تفكر في إطلاق حوار جدي وحقيقي، وأنها ولأسباب مزاجية لا تزال تصر على رفض تقديم رد مكتوب للمنتدى، وبأنها قد أرادت بوساطة المعاهدة أن تجد مخرجا من ذلك، وأن تجد بالتالي طريقة غير مباشرة لتقديم رد للمنتدى، وأن يتم تقديم ذلك الرد تحت يافطة وساطة المعاهدة. في هذه الحالة سيكون بإمكاننا أن نتوقع نجاح وساطة المعاهدة، ولكن علينا أن لا ننسى بأننا نتحدث هنا عن الاحتمال الأضعف.
محمدالأمين ولد الفاضل حفظ الله موريتانيا..