وزراء تائهون..!!
لا يمكن أن نفسر تحركات وأسفار الوزراء في هذه الأيام إلا بواحد من أمرين : إما أن يكون القوم قد أصابهم مسٌ من جنون، وهذا ما لا نتمناه. وإما أن يكونوا قد فقدوا البوصلة، ولم يعد بإمكانهم أن يميزوا بين الجهات فوقعوا في هذا التيه العظيم الذي جعلهم يغيبون عن أماكن كان من المفترض بهم أن يزوروها، ويظهرون في أماكن أخرى لم يكن متوقعا أن يزوروها في هذه الأيام. كما أن هذا التيه قد جعلهم أيضا يتجاهلون مواضيع كان من المفترض بهم أن يتحدثوا عنها للمواطن، ويتحدثوا في مواضيع أخرى لم يكن من المتوقع أن يطرقوها.
وزير التجهيز والنقل وتجاهل مجازر الطرق
في يوم السبت 26 سبتمبر حدثت فاجعة أخرى ضمن سلسلة المجازر المتكررة التي تتسبب فيها حوادث السير، وكانت الفاجعة هذه المرة على الطريق الرابط بين “نواذيبو” و “نواكشوط”. هذه الفاجعة التي تسببت في وفاة 11 مواطنا موريتانيا وجرح عدد آخر تم تجاهلها بشكل كامل من طرف الجهات الرسمية، فلا الوكالة الموريتانية للأنباء ذكرت الخبر، ولا الوزارة المعنية اهتمت بالأمر : لا تعزية لأسر الضحايا؛ لا إعلان لحالة استنفار لمواجهة هذه المجازر التي تخلفها حوادث السير؛ لا حملة إعلامية للتوعية ضد مخاطر ارتكاب المخالفات والإفراط في السرعة.
بعد تلك الفاجعة بيومين حل بمدينة “نواذيبو” التي لا تزال تحت وقع الصدمة وزير التجهيز والنقل، وأخذ يحدث الناس بنتائج اللقاء التشاور، وكأن المشاركين في لقاء التشاور كانوا قد اكتشفوا حزام أمن ينجي من حوادث السير.
وزير الصحة وتجاهل وباء الحمى
أصر وزير الصحة على أن يتجاهل وباء هذه الحمى التي لم تترك منزلا في العاصمة “نواكشوط” إلا وزارته لمرة أو لعدة مرات. وربما يكون الوزير قد اعتمد في تجاهله لهذه الحمى على بيان كان الحزب الحاكم قد أصدره في الثاني من أغسطس 2015، ونفى فيه وبشكل قاطع وجود وباء حمى في العاصمة، واعتبر أن ذلك الوباء هو مجرد إشاعة من إشاعات “معارضة البيانات والتدوينات”.
تجاهل الوزير وباء الحمى، وبدلا من أن يزور المستشفيات والمراكز الصحية ليرى المرضى وهم يتزاحمون في الممرات، بدلا من ذلك قرر أن ينظم سلسلة من اللقاءات بنواكشوط الجنوبية لشرح نتائج اللقاء التشاوري، وكأن المشاركين في ذلك اللقاء كانوا قد اكتشفوا لقاحا ضد وباء الحمى.
وزراء التعليم وتجاهل الافتتاح الدراسي
من المقرر أن تفتتح المدارس أبوابها في الأسبوع القادم، ومع ذلك فلا شيء من تصرفات وتحركات وزراء التعليم يوحي بأن المدارس ستفتح أبوابها في الأسبوع القادم، لا شيء ينبهنا على قرب الافتتاح الدراسي سوى أن هناك ثلاثة مدارس عريقة سيتم بيعها إلى خواص في هذا اليوم.
وزير التعليم العالي يترك وزارته ويسافر إلى “انشيري” لشرح نتائج اللقاء التشاوري، ووزير التهذيب الوطني يتجول في ولاية “نواكشوط” الجنوبية لشرح نفس النتائج، وذلك رغم أن هناك مدارس عديدة بالعاصمة لا يمكن الوصول إلى حجراتها بسبب المياه الراكدة.
فلماذا ينشغل وزيرا التعليم عن الافتتاح الدراسي بشرح نتائج اللقاء التشاوري؟ فهل اكتشف المشاركون في هذا اللقاء طرقا فعالة لشطف المياه عن المدارس؟ أم اكتشفوا مناهج تربوية أحسن؟ أم أنهم توصلوا إلى طريقة ما للتحسين من أداء الأستاذ والمعلم؟
مؤتمر صحفي تائه
ما قلناه عن الوزراء السابقين يمكن أن نقوله عن بقية الوزراء الذين تحدث عنهم الناطق الرسمي في مؤتمره الصحفي التائه على الأقل زمنيا. لقد تعودنا على أن تأتي المؤتمرات الصحفية للناطق الرسمي باسم الحكومة في أعقاب اجتماعات الحكومة، ولكن في هذه المرة فقد تم تجاوز ذلك العرف، وتم الإعلان عن مؤتمر صحفي في وقت غير معهود لمثل تلك المؤتمرات الصحفية.
يبدو أن شرح نتائج اللقاء التشاوري هي مسألة في غاية الأهمية، ويبدو أنها تستحق أن يخصص لها مثل ذلك المؤتمر الصحفي الاستثنائي، وكأن نتائج اللقاء التشاوري ستطعم الجائعين، وستشغل العاطلين، وستشفي المرضى، وستخفف أعباء الحياة عن أرباب الأسر.
رسالة تائهة
لم يسلم الوزير الأول ولا ديوانه من هذا التيه الذي تتخبط فيه الحكومة، ويكفي أن نعرف بأن الرسالة المحيلة لنتائج اللقاء التشاوري، والتي بعث بها إلى المنتدى لم تسلم هي أيضا من ذلك التيه.
الرسالة تم إيصالها أولا لمقر حزب اللقاء، وذلك بوصفها موجهة إلى رئيس القطب السياسي للمنتدى، وتم من بعد ذلك سحبها من مقر الحزب، وإيصالها ليلا إلى رئيس المنتدى في منزله.
وإذا كان قد تم تكليف عدد من الوزراء بشرح نتائج اللقاء التشاوري للمواطنين، فيبدو أن عملية الشرح بالنسبة للمنتدى كان قد تولاها الوزير الأول، والذي لم تكن رسالته التي وجهها إلى المنتدى برسالة دعوة للحوار، وإنما كانت مجرد رسالة لشرح نتائج اللقاء التشاوري.
الرسالة كانت معنونة بأنها رسالة إحالة لنتائج اللقاء التشاوري بدلا من أن تعنون بأنها رسالة دعوة للحوار، وقد أرفقت بتوصيات اللقاء التشاوري وبخطابي الوزير الأول الافتتاحي والختامي في ذلك اللقاء، ولكن يبدو أن نسخة الخطاب الافتتاحي كانت قد تاهت هي أيضا في الطريق، ولم يصل إلى بريد المنتدى غير نسختين مكررتين من خطاب الوزير الأول في حفل الاختتام. أما فيما يخص التوصيات فقد جاء فيها بأن المنتدى كان قد شارك في اللقاء التشاوري من خلال حزب “تمام” ومن خلال كتل معارضة عديدة نسبتها الوثيقة إلى المنتدى، وذلك رغم أن المنتدى لا توجد بها أصلا أي كتلة معارضة أو غير معارضة.
ملخص الحكاية
يبدو أن الوزراء قد أرادوا أن يستفزوا المواطن الموريتاني بتجاهلهم لهمومه ولمعاناته اليومية، وانشغالهم بدلا من ذلك بشرح نتائج اللقاء التشاوري والذي لا نتائج له.
ويبدو أن الوزير الأول قد أراد هو بدوره أن يستفز المنتدى، فبدلا من أن يرسل للمنتدى رسالة دعوة للحوار، فإذا به يرسل خطاباته وتوصيات اللقاء التشاوري إلى جهة كانت قد أصدرت بيانا قالت فيه بأنها غير معنية إطلاقا بما سيصدره اللقاء التشاوري من توصيات.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل