حوار مع ناشطة جمعوية موريتانية ناجحة
تحاول الناشطة الموريتانية جميلة بنت ديدة، الأمينة العامة لجمعية “الإرادة” الرائدة في المجال الاجتماعي توعية المجتمع حول أهمية النشاط الخيري، فيما يعاني أكثر من نصف المجتمع من الفقر والأمية.
وقد نجحت جميلة في تحقيق نجاح كبير من خلال الحملات الداعية إلى الانخراط في العمل المدني والإنساني، كذلك أصبحت جمعيتها “الإرادة” رائدة في هذا المجال وحققت نجاحاً كبيراً في وقت قياسي. عن “الإرادة” وعن التمييز في البلاد وعما تواجهه المرأة في المجال الخيري، تتحدّث بنت ديدة لـ “العربي الجديد”.
– كيف تمكنت جمعية “الإرادة” من تحقيق نجاحها في وقت قياسي؟
من أهم الأسباب التي مكّنت الجمعية من تحقيق هذا النجاح هو إيمان طاقمها بالرسالة التي أنشئت من أجلها. وجمعية الإرادة هي جمعية خيرية خاصة بالأشخاص المعوّقين، هدفها الأساسي النهوض بهذه الشريحة ثقافياً واجتماعياً بالإضافة إلى محو الصورة النمطية الدونية لهؤلاء. بالنسبة إلى المجتمع الموريتاني، يُعَدّ الشخص المعوّق عبئاً على العائلة، في حين يُستغلّ من قبل البعض أبشع استغلال، بذريعة الفاقة وضيق ذات اليد. ويتجاهل المجتمع الآثار النفسية السلبية العميقة التي يخلفها مثل هذا الاستغلال على الشخص المعوّق. من هنا، دأبت الجمعية خلال مسيرتها القصيرة زمنياً لكن العميقة، على تكثيف الدورات التدريبية والتكوينية للمعنيين من الأشخاص أنفسهم ومحيطهم، لتثقيفهم حول آثار هذه الممارسات وتبعاتها. وأظنّ أن إيمان طاقم الجمعية برسالته وعدالتها، كان من أهم الأسباب وراء نجاحها.
– ما هي الأهداف التي تسعى جمعيتكم إليها؟
للجمعية أهداف كثيرة جداً، أهمها أن يتبوأ الشخص المعوّق مكانة محترمة في مجتمعه. هذا هو الهدف الأساسي للجمعية، لأن النهوض بالأشخاص المعوّقين ثقافياً واجتماعياً وتمكينهم من الحصول على حياة كريمة داخل المجتمع ومحو الصورة النمطية السيئة، مهمة ليست سهلة وخدمة كبيرة تستفيد منها الشرائح الاجتماعية الباقية.
وحالياً، نركز جهودنا على تعليم هؤلاء من خلال إقناع الدولة والمؤسسات ببرنامج تعليمي خاص في إطار المنظومة التعليمية، حتى نتمكّن من كسر الحواجز التي تضطر عدداً كبيراً من الأشخاص المعوّقين إلى ترك الدراسة في المراحل الأولى وتقصي البقية تماماً في مراحل أخرى. كذلك نطمح إلى فرض توظيفهم في المنشآت الإدارية من خلال إدماج مخططات تيسّر لهم دخولها.
– ما هي العوائق التي تواجه عمل الجمعيات الخيريّة بموريتانيا؟
ثمّة عوائق كثيرة منها الاجتماعي وهو صعب جداً، ومنها المادي ولا يقلّ صعوبة. نحن نفتقر إلى كثير من الوسائل العملية لتسهيل مشروعنا، كذلك فإن غياب الدعم الحكومي يعيقنا كثيراً وأيضاً غياب الوعي لدى رجال الأعمال حول ضرورة الاستثمار في الجانب الخيري. وفي السياق نفسه، يأتي تمسك المجتمع بالإنفاق التقليدي للصدقات والزكاة، ما يجعلها تُحصَر في المحيط الضيق للإنفاق في أعمال الخير.
– ما هي العوائق التي تواجه المرأة العاملة في المجال الخيري؟
هي العوائق نفسها التي تواجه المرأة في كل البلدان النامية، لا سيّما رفض المجتمع. هي في حاجة دائمة إلى إثبات جدارتها وقدرتها على العطاء والتميّز شأنها شأن الرجل، لا بل أحياناً تتفوّق عليه. تجدر الإشارة إلى أن للمرأة الموريتانية خصوصيتها عن نساء الوطن العربي والإسلامي الأخريات، لجهة التمتع بقدر من الاستقلالية في اتخاذ القرار في الشؤون الاجتماعية. لكنها في الجانب العملي، لا تختلف كثيراً عن هؤلاء. هي مطالبة أكثر من الرجل بإثبات ذاتها وقدرتها على التميّز والنجاح حتى تكسب الثقة. وهي دائماً محل اختبار ومقارنة بالرجل، وإن لم يكن مشوارها مفروشاً بالورود دائماً.
-هل يعاني العمل الخيري من التمييز العرقي والقبلي؟
في بعض الأحيان، يعاني من ذلك خصوصاً في مجتمع ما زال للقبيلة فيه وجود فعال. والمجتمع الموريتاني هو مجتمع قبلي بالدرجة الأولى وشرائحي بالدرجة الثانية، إذاً من الطبيعي أن يعاني من بعض هذه الأمور خصوصاً أن الدولة المدنية عندنا دولة فتية، لا يتجاوز عمرها 55 عاماً. وهو عمر قصير جداً في تاريخ الدول. لكن النهضة الشبابية الموجودة حالياً، قادرة على كسب التحدي بكل جدارة.
– يشكل لحراطين نسبة مهمة من سكان موريتانيا وهم الأكثر فقراً وجهلاً بين سكانها. هل هذا يعني أنهم الأكثر استفادة من العمل الخيري؟
بطبيعة الحال، المستفيد من العمل الخيري هو دائماً الأكثر عوزاً.
ولحراطين من أفقر الطبقات الاجتماعية عندنا، بالتالي هم الأكثر استفادة بطبيعة الحال، على الرغم من أننا في الجمعية نخدم الكل بحسب حاجته وفقره بغض النظر عن انتمائه.
– أكثر الجمعيات الخيرية تركز جهودها في المدن، بينما المناطق الريفية تعاني وسكانها مقصيون من النظام الاقتصادي؟ كيف تواجهون هذا الواقع؟
تلك حقيقة ثابتة، للأسف. الوضع في الداخل مأساوي بكل المقاييس، بسبب انعدام أبسط مقومات الحياة المدنية. المؤسسات الصحية شبه معدومة، والتعليم أيضاً. كذلك فإن ثمة تردياً في خدمات الماء والكهرباء. لكننا في الجمعية، وعلى الرغم من شح الموارد وقلة الوسائل وانعدام الدعم، نحاول دائماً أن نقهر الظرف ونكسر الحواجز لنوصل مساعداتنا إلى مستحقيها. وقد سيّرنا حتى الآن عدداً من قوافل الإغاثة إلى مناطق عدّة، ونحن نهيئ قافلة طبية خاصة لولاية كيدي ماغا. ونرجو أن يتحسن الوضع، حتى نتمكن من العمل على كل تراب الوطن.
– يتحدث البعض عن شبهات تحوم حول مصادر تمويل الجمعيات الخيرية؟ ما ردّكم على هذه الاتهامات؟
لا أستطيع الطعن في ذلك لعدم توفّر دليل ملموس صحيح. المجتمع المدني عندنا لا يتمتع بسمعة جيدة، نتيجة لما مرّ به من تردٍّ في الخدمات والانتهازية في السنوات الماضية. لكنني مذ نزلت إلى الميدان في عام 2007 وحتى اليوم، لاحظت هذه الطفرة الشبابية التي تعمل بجد وإيمان. وهو الأمر الذي يمنح أملاً كبيراً لمستقبل مشرق.
– كيف يمكن تطوير العمل المدني والإنساني في موريتانيا؟
العمل المدني والإنساني ككل المجالات العملية، قابل للتطوير والتحسين إن اتخذت لذلك الأساليب والآليات المناسبة، كالتكوينات في المجالات المختلفة التي من شأنها أن تنهض به وتزرع ثقافة العمل التطوعي الإنساني لدى الفرد والمجتمع. وهو ما نحتاج إليه هنا، ليصبح أكثر مردودية على المجتمع.
——————————–
الناشطة الموريتانيّة في سطور
وُلدت جميلة بنت ديده عام 1973 في العاصمة الموريتانيّة نواكشوط، في أسرة محافظة، وكان ولعها بالعمل التطوعي الاجتماعي والإنساني ظاهراً منذ صغرها. قامت بمبادرات عدة لمساعدة الفقراء، ونجحت في جعل محيطها الأسري ينخرط في العمل المدني والإنساني. تابعت دراستها الجامعية لتحصل على إجازة في القانون العام، وتعمل من ثم في قطاع التعليم الثانوي. وعندما أسست مع مجموعة من الناشطين جمعية “الإرادة”، حرصت على العمل بصمت بعيداً عن التجاذبات السياسية.
نقلا عن العربي الجديد