مقال للمفكر المغربي عبد الإله بلقزيز يثير حساسيات في موريتانيا
أثارت إشارات بأن موريتانيا أرض مقتطعة من المغرب وردت في مقال نشره المفكر المغربي عبدالإله بلقزيز الأربعاء الماضي في صحيفة «الخليج» الإماراتية تحت عنوان «في تجزئة سايكس بيكو ومفاعيله «، حساسيات مدونين موريتانيين.
فقد تحدث عبدالإله بلقزيز في مقاله عن فعل التفكيك الخارجي الذي أجرته السياسات الاستعمارية على قسم كبير من البلاد العربية، عقب الحرب العالمية الأولى مؤكدا «أن الباحث المدقق لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة الأمر الحاسم لذلك الفعل الخارجي في إنجاز التقسيم والتجزئة». وقال «إن المشرق العربي لم يتأذ وحده من هذه الجراحة الكولونيالية التقسيمية، بل نزلت أحكامها على المغرب (الأقصى) أيضا؛ إذ بعد تقاسم أراضيه بين احتلالين: فرنسي (في الوسط والغرب والجنوب وإقليم شنقيط) وإسباني (في الشمال وفي مناطق الصحراء الجنوبية الغربية)، جلت قوات الاحتلال – في منتصف الخمسينيات – من الأراضي المغربية التي قامت عليها دولة الاستقلال، لكنها ظلت جاثمة على بلاد شنقيط (موريتانيا) وعلى الصحراء المغربية (إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب)». «غير أن الأسوأ من استمرار احتلال هذه المناطق، يضيف الكاتب، السعي في تهيؤ شروط انفصالها عن الوطن تحت ذريعة استقلال مناطق لم تكن خاضعة لسيادة المخزن (الدولة المركزية) قبل احتلالها». ووصل الكاتب للمقطع الذي أثار حفيظة المدونين الموريتانيين وهو قوله «نجح المخطط التقسيمي الفرنسي بقيام دولة موريتانيا، في بداية الستينيات، لكن مخطط الجنرال فرانكو في منح الشعب الصحراوي حق تقرير المصير فشل بصمود المغاربة دولة وشعبا، وهذا، من أسف شديد، فصل من فصول التجزئة والوحدة، تماما كما يتجاهلون مقدمات فصل السودان عن مصر في السياسة الاستعمارية البريطانية». فقد انبرى الكاتب الصحافي حبيب الله ولد أحمد وهو من أبرز المدونين الموريتانيين ليهاجم بلقزيز بعنف معبرا عن مدى حساسية موضوع مطالبة المغرب بموريتانيا التي استمرت إلى عام 1969 تاريخ اعتراف المملكة المغربية رسميا بدولة موريتانيا، لكن هذه المطالبة بقيت ثابتة في خطاب حزب الاستقلال ولدى العديد من الساسة المغاربة. «لا أعرف تحديدا عمر الكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز، يقول حبيب الله ولد أحمد في تدوينته، لكن عندما قرأت مقالا نشره في صحيفة الخليج الإماراتية خمنت بأنه بلغ أرذل العمر وتراجع فكريا أسفل سافلين؛ فالمقال مجرد هذيان لتسعيني خرف به مرض نفسي مزمن». وأضاف المدون الموريتاني قائلا «حاول بلقزيز أن «يتكاتب» و«يتفاكر» و«يتآرخ» متحدثا عن نظرية «سايسبيكوية» يعتقد أنه يحلل «مفاعيلها» عبر عنوان هزيل لمقال غث لا يتوقع شكلا ومضمونا من أضعف المثقفين وأقل الكتاب شهرة». «ما يهم، يضيف المدون الموريتاني، من المقال المبعثر لغة وأفكارا وخلفيات، والمتهالك تأصيلا هو الفقرة المتعلقة بقول بلقزيز أن شنقيط اقتطعت من أرض المغرب الأقصى لتصبح بلدا اسمه موريتانيا، وطبعا يقصد بالمغرب الأقصى المملكة المغربية». وتابع المدون الموريتاني رده على بلقزيز قائلا «تحمل هذه الفقرة تناقضا: فشنقيط تسمية تاريخية جغرافية لم ترتبط يوما بالمملكة المغربية، فقد كانت حاضرة إسلامية مثل القيروان وفاس ومراكش، وشكلت كتلة ثقافية واجتماعية تاريخية مستقلة بذاتها حتى عن الإطار الجغرافي اللصيق بها، فكيف تكون تابعة للإطار الجغرافي الأبعد منها درجة؟، فلا يمكن إلحاقها بالعرش العلوي وأهلها تاريخيا ليسوا أهل بيعة، ولم يقيموا إمارة ولا مملكة ولم يدخلوا في تحالفات أو ولاءات مع أي من ممالك الصحراء المنتشرة من حولهم». وواصل المدون ردوده ليضيف «.. يقول بلقزيز إن اقتطاع موريتانيا من المغرب هو نفسه اقتطاع الصحراء الغربية منه، ويحاجج بأن المغاربة رفضوا بشجاعة اقتطاع الصحراء الغربية من أراضيهم ووقفوا في وجه مشروع اقتطاعها حتى اليوم.. أليس في الأمر بعض العجب العجاب؟ فموريتانيا أكثر سكانا وأغنى أرضا وأكبر شواطئ ومعادن وخيرات من الصحراء الغربية، فلماذا لم يرفض المغاربة اقتطاعها، بينما رفضوا اقتطاع الصحراء الغربية التي لا تقارن بموريتانيا سكانا وشواطئ وثروات وأهمية استيراتيجية؟». «الحقيقة التي قفز عليها بلقزيز بطريقة مقززة، يضيف المدون، هي أن موريتانيا تملك كل مقومات الدولة المستقلة تاريخيا وجغرافيا وبشريا، ولا قرينة من أي نوع يمكن الركون اليها للقول بأنها جزء من المغرب باستثناء تخاريف بعض من قيادات حزب الاستقلال المغربي وتعاويذ وهمية أسطورية لدى جيوب قبلية صغيرة ومعزولة تتحدث عن بيعة بين الملوك المغاربة وبعض من ساكنة البلاد وهي أساطير لا تصمد أمام ابسط حقائق التاريخ». وخلص المدون في نقده اللاذع لمقال المفكر بلقزيز قائلا «إذا بلغ الإنسان من العمر أرذله يصبح في وضعية لا يميز فيها شيئا ويتم محو بطاقة ذاكرته تماما، فيعيش على ذاكرة اللاشعور كما يعيش الهاتف على ذاكرته الضعيفة بعد فقدان بطاقة ذاكرته الأصلية، وهذا بالضبط هو ما حدث لبلقزيز وهو ما يفسر هذيانه في تاريخ لا يفقه منه شيئا». قوبلت هذه التدوينة التي رد بها الكاتب الصحافي الموريتاني حبيب الله ولد أحمد على المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز باهتمام كبير من المدونين الموريتانيين الذين ألصقوا بها مئات الإعجابات وحبروا حولها عشرات التعليقات، وهو ما يشير لحساسية الموريتانيين البالغة من مطالبة المغرب بأراضيهم. علق المدون هاشم بن الإمام على التدوينة قائلا «المغاربة كلما حمي الوطيس في الصحراء عسكريا أو سياسيا يتذكرون موريتانيا من باب «اطلب الكبيرة تحصل الصغيرة». أما المختار محمد محمود السالم فكتب معلقا «هذا الكاتب عداؤه للشعب الموريتاني قديم وليس جديدا نقول له قل موتوا بغيظكم». وكتبت المدونة منى أحمد «يمكن لصاحب المقال أن يكتب ما يطيب له، فهو من جيل سابق ما زال يتذكر كل الانتصارات الموريتانية على حساب المغرب من الاستقلال.. إلى اﻹزدهار». وتدخل المدون سيدي محمد المعزوز ليكتب في اتجاه آخر «لا اعتقد أن المقال يستحق كل السب والشتم فالكل يعلم أن دولة المرابطين كانت تشمل كل أقطار المغرب العربي باستثناء ليبيا أما كون الكاتب عبر عن اقتطاع شنقيط من المغرب الأقصى فهذا صحيح، فقد اقتطع منه أيضا كل من تونس والجزائر». ورفع المدون محمد الأمين الهادي قبعته للكاتب الصحافي حبيب الله قبل أن يعلق قائلا «أنا أخالفك الرأي في هذه؛ ياليتنا كنا إقليما مغربيا، يا أخي، فنحن أرض بلا شعب نحن قوم مسخت حضارتنا وثقافتنا ولم نعد شعبا، نحن لا نصلح لأن نوصف بقطعان حيوانات أليفة».
عبدالله مولودـ القدس العربي