دمعتي لألف قتيل/ محمد الأمين محمودي
حاولت خلال ايام ان اذرف دمعة واحدة على ضحايا احداث الجمعة الفرنسي فلم استطع رغم تنديدي وشجبي لقتل العزل حتى لا اقول “الأبرياء” على اطلاقها، فالظاهر ان مادة الدمع نفدت عندي او اصبحت نادرة، لذا قرر جسمي تسيير مالديه من الماء المعبر لحاجته الماسة له،وبالتالي صارت الدمعة عندي لا تخرج الا لموت الف شخص فقط ،اما رقم اقل فيكفيه الشجب والتنديد على خرير الشاي ودون تغيير لملامح الوجه،للأسف هذا هو الواقع الذي خلقه واقع العالم اليوم في مقلتي كإنسان كان يبكي يوما كاملا لمقتل ذبابة.
فبما ان الدموع اصبحت غالية وعملة نادرة وآخر سلاح لدى المستضعفين وبما انها لاتذرف تكلفا وبما ان الأقربين من اهلي وبني ملتي وجلدتي اولى بالمعروف و بها وبما انهم لايموتون الا بالآلاف بقي الدمع يراوح مكانه في انتظار موت الف شخص في غزة او في رابعة او في موريتانيا او حتى في فرنسا،فالمهم هنا هو الرقم،وان حدث ان مات ألفا شخص الف منهم في فرنسا والف في مصر فالراجح انني سأمنح الدمعة للمصريين على ان اهب التنديد والشجب للفرنسيين مع توصية بضبط النفس..اماحين يموت الف فرنسي بدون منافسين فالأكيد انني سأمنحهم دمعتهم المستحقة’ ولا طالب بعدها ولامطلوب.
من المسؤول عن هذا التغير السلوكي الذي طرأ على بدني وعواطفي؟
هم المسؤولون، الذين يندبون اليوم قتلاهم بلوعة وألم للأسف هم المسؤولون عن هذا التحول في شخصيتي، فقد عودوني على استيعاب الموت الجماعي وتقبله، قتلوا الملايين مُذ سادوا العالم وابتكروا مُذ ذلك التاريخ ومنذ ايام التنوير وسائل تساعدهم على تطوير أدائهم في الابادة، ومن خلال نظرة سريعة لأهم ضحاياهم سنجد ان المسلمين والعرب والأفارقة هم اكثر ضحايا سيادة الغرب وعقل الغرب وانسانية الغرب وتسامح الغرب فحتى في حربيهم الكونيتين كان الأوروبيون يجلبون الشبان من هذه الأمم المستضعفة ليكونوا وقود الحرب وقتلاها..وبعد عقود من آخر حرب عالمية شرعت آلتهم في ابادة من بقي منا وعلى جبهات شتى بحجة محاربة ارهاب نعرف جميعنا انهم من اخترع نواته لخدمة غاياتهم الجيوعسكرية،لنا الهراوة والمدافع والموت الجماعي ولعدونا وعدو الانسانية اسرائيل الجزرة والحماية والتدليك الجماعي.
مات الملايين من الذين اذرف دموعي عادة لموتهم، ذرفت بحارا من الدمع وحين جفت المآقي وصرت ابحث عن قطرة منها فلا أجدها، يموت فجأة مائة بريئ في فرنسا فيطلب مني الباكون ان اشق معهم الجيب على الضحايا الباريسيين، من اين لي بهذه الدموع ياسادتي الكرام؟ هل علي ارسال الدلاء الى العمق علي اجلب قطرة اسيلها على خدي حتى اظهر بالمظهر اللائق للانسان المتحضر…لن افعل ولايمكنني ذلك فقد وزع جسمي مخزونه من الدمع توزيعا عادلا لايمكن ان يختل ولست من سيرغم الجسم على تغيير آلية تسييره لممتلكاته..لن افعل لكن سأندد وسأشجب وسأحزن حقا على موت كل نفس وفي كل مكان، ولن ازيدهم على ذلك لأنه مبلغ جهدي العفوي التلقائي، فهذا كل ماتبقي لدي من وسائل التعبير عن الحزن على مقتل مائة شخص..،ليس لدي اكثر من التنديد والشجب لأمنحه لتلك الأرواح.
لقد بكيت امة بالكامل، بكيت الظلم الذي حاق بها وبثقافتها وسيادتها، بكيت “المومس العمياء” التي لم يرحمها زوار الماخور، بكيت جارتي المستعبدة، بكيت احلام الملايين بالعيش بكرامة، بكيت جدتي، بكيت اصدقائي الراحلين، بكيت قتلى عبارة السنغال والروهينغا، بكيت هزائم نخبتنا الوطنية في كرة القدم، بكيت حين علمت ان اطفال جارنا الفقير ينامون بلاعشاء، بكيت حبيب ولد محفوظ، بكيت قتلى الزنوج في بلدي، بكيت ضحايا ظلم العسكر، بكيت ضحايا سيل أطار، بكيت ضحايا رابعة ومنذ مولدي وانا ابكي مايحدث في جنوب افريقيا وفلسطين، ثم العراق وافغانستان وسوريا وليبيا وغيرها من بلاد العالم التي تحفني مآسيها ماتحركت…بكيت كثيرا، ذرفت دموعا كانت تكفي لحل مشكل الماء لحي الترحيل.
افتريدون بعد بكائي الطويل ان لا احتفظ بقليل دمع للأيام القادمة والضحايا القادمين والآلاف من القتلى مع وقف تنفيذ لا اعلم منتهاه.
اندد بما حدث في فرنسا من قتل للأبرياء منذ احداث الستينات وحتى الموت الجماعي لعشرات الأشخاص يوم الجمعة الماضي. لكن دمعتي مازالت تنتظر الرقم المحدد لتحركها…
شطحات ولد محمودي على موقع تقدمي