كاتب عن تحصيل السلطات وتوشيحها لأكثر الوزراء تحصيلا

  1لا خلاف على أن النظام الحالي قد أبدع في مجال التحصيل، ولا خلاف أيضا على أنه قد تمكن من اكتشاف موارد مالية جديدة لم تكتشفها الأنظمة السابقة. إننا أمام نظام يعرف جيدا كيف يجمع الأموال الطائلة في سنوات العسر والشدة، ويعرف كيف يحول المواطن الموريتاني سواء كان فقيرا أو غنيا إلى مورد طبيعي ومتجدد تُحصل منه الأموال الطائلة، وخاصة في مثل هذه الأوقات التي تتراجع فيها أسعار الحديد والذهب. مدرستي ليست للبيع في اعتقادي بأنه قد أصبح من اللازم علينا جميعا أن نرفع هذا الشعار بعد أن تكررت عمليات عرض المدارس الابتدائية للبيع، والتي لن تكون آخرها المدارس الثلاثة التي تم عرضها للبيع في مجلس الوزراء الأخير، ومن يدري فربما تصل عمليات البيع إلى الثانويات القديمة (الثانوية العربية والثانوية الوطنية ..)، وربما تنتقل بعد ذلك إلى مدرسة تكوين المعلمين، والمدرسة العليا للأساتذة إذا ما نفدت “سلعة المدارس الابتدائية” من السوق الحكومي. لقد أضاف مجلس الوزراء جملة جديدة إلى قاموس بياناته يمكن أن نضيفها للجملتين التقليديتين المعروفتين: :”وقدم وزير المالية بيانا حول البيع بالمزاد العلني لمساحات كانت تأوي ثلاث مدارس مسحوبة من الخريطة المدرسية “. هذه الجملة ربما تتكرر على مسامعكم في الفترة القادمة مع الجملتين المعهودتين: وقدم وزير الداخلية واللامركزية بيانا عن الحالة في الداخل؛.وقدم وزير الشؤون الخارجية والتعاون بيانا عن الوضع الدولي. لقد أصبح من الواضح بأن “حكومة المزاد العلني” قد قررت أن تسحب ـ وبالتدرج ـ كل المدارس الابتدائية القديمة من الخارطة المدرسية، وخاصة إذا ما كانت تلك المدارس قد شيدت ـ لسوء حظها ـ في أمكنة ذات موقع “استراتيجي” أو تجاري إذا شئتم. تحتج السلطات مع كل عملية بيع لمدارس جديدة بأنها عرضت تلك المدارس للبيع لحرصها “على جعل التلاميذ في وسط ملائم للدراسة والسعي لتجنيبهم التعرض للمخاطر الناتجة عن القرب من الطرق المزدحمة والأسواق والحشود الغفيرة”. دعونا نصدق هذه الحجة، ودعونا نصدق بأن الرحمة بالتلاميذ هي التي دفعت الحكومة لبيع تلك المدارس، ولكن أليس من حقنا أن نتساءل : ألا يمكن سحب هذه المدارس من الخريطة المدرسية دون بيعها، خاصة وأن خزائن الدولة ملآى بالمليارات حسب ما نسمع من الوزراء بالغدو والآصال؟ أليس من الممكن تحويل هذه المدارس إلى حدائق أو إلى ساحة عامة خاصة وأن عاصمتنا لم تعد بها ساحات عامة؟ ألا يمكن ترك هذه المدارس كآثار قديمة للأجيال القادمة خصوصا وأن عاصمتنا فتية، وأنها بلا تاريخ وبلا آثار؟ تعلم الحكومة بأن حجتها واهية، وتعلم أيضا بأنه لا أحد سيصدق تلك الحجة الواهية، ولكن وحتى إن صدقنا هذه الحجة الواهية ألن يكون من حقنا أن نتساءل أي راحة واطمئنان يمكن أن يحصل عليها التلاميذ من خلال بيع المباني والعقارات العمومية التالية: بيع “بلوكات”؛ بيع جزء من الملعب الأولمبي؛ بيع جزء من مدرسة الشرطة؛ بيع فندق “مركير” (مرحبا سابقا)؛ بيع الساحة المجاورة لهذا الفندق؛ بيع مبنى ثكنة الموسيقى العسكرية؛ بيع جزء من أرض مدرسة ابتدائية في تفرغ زينه وفي منطقة هادئة جدا؛ بيع جزء من ثانوية تفرغ زينة المجاورة لتلك المدرسة؛ بيع جزء من “ساحة اللنكات” في عرفات…إلخ لقد ابتدع النظام القائم سنة سيئة ما سبقه إليها أي نظام سابق، ويبدو أن هذا النظام قد عقد العزم إلى أن يحول القصر الرئاسي إلى دار للبيع بالمزاد العلني، وأن يحول مجلس الوزراء إلى مجلس أسبوعي يعنى ببيع الأملاك العامة بالتجزئة وبالجملة. السرقة عند محطات البنزين لم تكتف الحكومة بأنها تحولت في هذا العهد إلى تاجر لبيع الأملاك العامة؛ وإنما أضافت إلى ذلك بأنها تحولت إلى سارق يسرق المواطن المسكين. وسرقات الحكومة عديدة ولا يمكن حصرها في مقال واحد، ولذلك فإني سأكتفي بالحديث عن سرقة واحدة من سرقاتها العديدة، فمع كل عملية تزود بالبنزين عند أي محطة على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية يقوم بها أي مواطن فإن الحكومة تسرق من ذلك المواطن 200 أوقية من كل لتر حسب أدق التقديرات. هذا النوع من السرقة هو “سرقة متعدية” أو “سيئة متعدية” أي أن الحكومة عندما تسرق 200 أوقية من كل لتر بنزين يتم بيعه، فإنها بذلك تسرق المواطن في مأكله وفي مشربه وفي ملبسه. إن أسعار كل السلع تتأثر بسعر البنزين، ولذلك فإن كل عملية سرقة تتم في سعر البنزين لابد لها وأن تنعكس سلبا على سعر كل السلع الأخرى. إبداع في تحصيل الضرائب لقد أبدع النظام القائم في جمع وتحصيل الضرائب، فجمع من الضرائب ما جمع، وطارد كبار رجال الأعمال وصغار الباعة بضرائبه المجحفة، ولم يترك سلعة أساسية أو كمالية إلا وزاد نسبة الضرائب عليها. زاد الضرائب على السيارات المستعملة وعلى قطع الغيار وعلى الثياب والأقمشة المستعملة، وزادها على الأرز والألبان بحجة دعم الإنتاج المحلي ( ما تنتجه مصانع الألبان ينفد دائما في وقت مبكر. أما بالنسبة للأرز فإن المحصول في هذا العام يعد هو الأسوأ منذ سبع سنوات). لم تترك الحكومة أصحاب مهنة إلا وطاردتهم بضرائبها، فمن البائع المتجول إلى بائع “الرصيد”، ولم يبق إلا أن تفرض ضرائب على المتسولين والذين يستحقون أن تفرض عليهم ضرائب من قبل الكثير من أصحاب المهن والحرف الصغيرة. بكلمة واحدة يمكننا أن نقول بأننا أمام حكومة موهوبة في مجال التحصيل، وبأننا أمام سلطة لا يهمها إلا التحصيل، ولذلك فلم يكن غريبا أن يُوشح الوزير المحصل (وزير المالية) من طرف الرئيس خلال الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني. لقد خُص هذا الوزير دون غيره بالتوشيح، ولقد كان هذا الوزير هو أول وزير يتم توشيحه وهو لا يزال يمارس وظيفته من طرف الرئيس، ولم يكن ذلك مستغربا. فهذا الوزير كان قد جمع من الضرائب ما جمع؛ وباع من المدارس ما باع؛ ولم يتوقف يوما عن تبرير السرقة التي تقوم بها الحكومة عند كل محطة بنزين، ولم يكتف فقط بتبرير تلك السرقة، بل إنه جعل من تلك السرقة عملا صالحا في ميزان “حكومة التحصيل”. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى