عندما تصدر رابطة العلماء بيانا سياسيا
يُعَرف الموقع الرسمي لرابطة علماء موريتانيا الرابطة بأنها “منظمة غير حكومية أنشئت بموجب القرار رقم: 0124 الصادر من وزارة الداخلية والبريد والمواصلات في 11 ابريل 2000 وهي هيئة تطوعية غير سياسية”.
من هذا التعريف المختصر يمكننا أن نخرج بثلاث صفات أو خصائص يجب أن تتوفر في هذه الرابطة:
1 ـ أن هذه الرابطة ليست إدارة حكومية، وإنما هي منظمة غير حكومية، وبذلك فإنها لا تتلقى الأوامر من وزير التوجيه الإسلامي، ولا من الوزير الأول.
2 ـ أن هذه الرابطة هي هيئة تطوعية، أي أن كل ما تقوم به من أعمال هو لوجه الله ولا تريد منه أي عائد مادي، ولا تريد منه جزاءً ولا شكورا، ولا غرابة في ذلك فالرابطة هي منظمة تطوعية وتمتاز بأن عضويتها خاصة بالعلماء.
3 ـ أن هذه الرابطة هي هيئة غير سياسية، وهو ما يعني بأنها لا تمارس عملا سياسيا، ولا شأن لها بالصراعات والتجاذبات القائمة بين الأطراف السياسية، ولا يحق لها كهيئة أن تنحاز لهذا الطرف السياسي أو لذاك.
وبالتأكيد فإني لستُ بحاجة لأن أقول بأنه علينا كموريتانيين، وبغض النظر عن انتماءاتنا السياسية أن نضع هذه الرابطة فوق رؤوسنا، وأن نبعدها عن التجاذابات السياسية، وعن ثرثرة السياسيين، وأن نتعامل مع ما تصدر من بيانات بطريقة مختلفة تماما عن تعاملنا مع البيانات التي تصدرها الأحزاب السياسية. لا يحق لنا أن ننتقد بيانات هذه الرابطة، ولا أن نرفض ما يطلبه منا علماؤنا الأجلاء من خلال البيانات التي تصدر عن رابطتهم، ولكن في المقابل على علمائنا أن يبتعدوا عن التجاذبات والصراعات السياسية، وعليهم أن يبعدوا الرابطة عن تلك الصراعات والتجاذبات، فالقوانين لا تجيز لهم ذلك، والسمعة التي يجب أن تتمتع بها هذه الرابطة ستتضرر كثيرا إن انخرطت الرابطة في العمل السياسي مثلما فعلت في بيانها الأخير.
البيان الأخير للرابطة كان بيانا سياسيا خالصا، وقد انحازت فيه الرابطة لطرف حكومي أدخل بعض المحاظر في صراعه مع خصم سياسي، كما أدخلها في صراعه مع طرف حكومي آخر. لقد كان الهدف من إغلاق المحاظر هو توجيه ضرية لخصم سياسي، وتوجيه ضربة أخرى لخصم حكومي يمسك الآن بملف الحوار، وذلك من خلال خلق معركة جانبية جديدة بين حزب معارض مع السلطة، وهي المعركة التي قد تزيد من تعثر الحوار المتعثر أصلا.
المؤسف أن رابطة علماء موريتانيا استخدمت ـ من حيث تدري أو لا تدري ـ في هذه الصراعات الضيقة، وأصدرت بيانها السياسي الذي لم يكن موفقا.
لقد انحازت الرابطة في بيانها الأخير لجهة حكومية ضيقة كانت تمارس عملا سياسيا صرفا، تضررت منه محاظر، ولم تحاول الرابطة أن تضفي على الأقل شيئا من التوازن السياسي في بيانها، وأن تطلب من الحكومة أن تعيد فتح المحاظر بعد ما طلبت من أصحاب المعاهد الدينية أن يلتزموا بالضوابط القانونية والإدارية.
لم ينجح الطرف الحكومي الذي انحازت له الرابطة في مهمته، وقررت السلطة أن تعيد فتح المحاظر المغلقة، وهكذا وجدت الرابطة نفسها في مأزق، وفي حرج شديد كانت في غنى عنه.
إن على رابطة العلماء، وعلى القائمين عليها أن يعلموا بأن الرابطة إذا ما نأت بنفسها عن التجاذبات السياسية وعن الصراعات الحكومية فإن الموريتانيين ـ كل الموريتانيين ـ سيحترمونها وسيجلونها، أما إذا ما أقحمت هذه الرابطة نفسها في التجاذبات والصراعات السياسية الضيقة فعليها في هذه الحالة أن تنتظر نصيبها من التعليقات والانتقادات التي توزع يوميا على السياسيين وعلى تشكيلاتهم السياسية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها رابطة العلماء بيانا كُتِب بلسان سياسي مبين، ولعلكم تتذكرون نداءً كان قد أطلقه علماء الرابطة خلال الحملة الانتخابية لاستحقاقات 23 نوفمبر البلدية والتشريعية، وطالبوا فيه بالتصويت لمرشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
بالطبع يحق لأعضاء الرابطة أن ينخرطوا في هذا الحزب أو ذاك، ولكن لا يحق لهم أن يجعلوا من الرابطة طرفا سياسيا يمكن أن يستخدمه هذا الطرف السياسي أو ذاك لتحقيق مآرب سياسية آنية.
عندما طالبتُ في صفحتي الشخصية بضرورة إبعاد الرابطة عن العمل السياسي تساءل أحد الأصدقاء وكتب معلقا : “حرام علي رابطة العلماء وحلال علي الشيخ الددو؟؟ “. إن هذا التعليق يستوجب توضيح مسألة في غاية الأهمية: يحق للشيخ الجليل “محمد الحسن ولد الددو” أن يتخذ موقفا سياسيا أو أن ينخرط في العمل السياسي. كما يحق نفس الشيء للشيخ الجليل “حمدا ولد التاه”، نعم يحق لكليهما ذلك، حتى وإن كنتُ أرى بأن من وصل إلى مكانة الشيخ “حمدا” أو لمكانة الشيخ “الددو” قد يكون من الأفضل له أن يبتعد عن التشكيلات السياسية الضيقة، وأن ينأى بنفسه عنها، حتى لا يتم تصنيفه لصالح هذا الطرف السياسي أو ذاك.
إننا في موريتانيا بحاجة إلى شخصيات وازنة مستقلة يمكن أن تلعب دور الوسيط بين الأطراف السياسية والاجتماعية المتصارعة، إننا بحاجة إلى شخصيات وازنة لا يحس هذا الطرف أو ذاك بأنها أقرب للطرف الآخر . إننا بحاجة إلى شخصيات وازنة ندخرها ونلجأ إليها في أوقات الأزمات والتجاذبات، وليس هناك من هو أفضل من الشيخ “الددو” والشيخ “حمدا” للقيام بتلك المهمة، ولكن تلك المهمة تفرض ضريبة لابد من تسديدها، وهي أن يبتعد الشيخان عن التجاذبات والصراعات السياسية الضيقة.
نحن اليوم بحاجة إلى شخصية وازنة من نوع العالم الجليل “بداه ولد البوصيري” رحمه الله تكون محل ثقة الجميع، وتكون قريبة من الجميع، ودون أن يمنعها ذلك من تبيان الحق، ومن الوقوف ضد المخطئ أيا كان.
إنه بإمكاننا أن نتفهم انخراط الشيخ الجليل “حمدا ولد التاه” بصفته الشخصية في الصراعات السياسية، وبإمكاننا أن نتفهم أن يقول على هامش الحملة الانتخابية الماضية، وحسب ما نُشر في موقع “المذرذرة اليوم”:”إن ذاكرتي قوية وإنني سوف أعتبر بذاكرتي ومن ورائي جماعة معنا الليلة لتسجل من هو معنا ومن ليس معنا، فكل من ليس معنا ليس معنا، اسمحوا لي أن أرفض نصف الحلول مرة أخرى، اسمحوا لي أن أرفض النفاق السياسي، اسمحوا لي أن أرفض الوجوه الملونة، أريد صديقا مخلصا معنا في التصويت في المهرجانات”.
“عبد الوهاب مطروح في الميدان، فقولوا نعم لعبد الوهاب، صوتوا لعبد الوهاب، قولوا نعم لعبد الوهاب، إنني اتجه إلى الله تبارك وتعالى في هذا المكان لأرفع هذه الدعوات وأرجوا أن تؤمنوا”.
“اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، يا مولان زوج امرأة نصرتنا وارزقها الولد، ورجلا نصرنا فربحه، يا مولانا من تخلى عنا فتخلي عنه، يا مولانا نطلبك من هذا المحل وطلبناك واستجبت لنا قبل عشر سنين، أن تنصر عبد الوهاب وتنجح عبد الوهاب”.
يمكن للشيخ “حمدا” أن يدعم هذا المرشح أو ذاك، ويمكن للشيخ “الددو” أن يدعم هذا المرشح أو ذاك ويمكن لأي منهما أن يتخذ موقفا سياسيا يحسب لهذا الطرف السياسي أو ذاك، ولكن الشيء الذي لا يمكن تفهمه هو أن يصدر الشيخ “الددو” بيانا سياسيا باسم مركز تكوين العلماء مثلا، أو أن يصدر الشيخ “حمدا” بيانا سياسيا باسم رابطة علماء موريتانيا، وهذه قد تكون أعظم، وللأسف فإن هذا هو ما حصل في البيان الأخير الذي أصدرته الرابطة في الثاني من يناير 2016، والذي وقعه أمينها العام الشيخ “حمدا ولد التاه”.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل