البعث بين رزية انتحال الإسم ومزية القائد
قد يكون الاشتراك فى الأسماء أوالألقاب محمدة إذا كان على وجه التفاؤل والاعجاب ، كما أنه قد يكون خطيئة أورزية ، إذا كان هنالك تطابق تام فى الألفاظ دون أي اشتراك في الجواهر والمضامين ، وتكون المصيبة أعظم عندما يتم الخلط بين الطرفين ، أوعدم التمييز بينهما بوضوح أثناء قيام أحدهما بأعمال ليست من أخلاقيات الطرف الآخر، أو مناقضة تماما لأهدافه ومبادئه .
لذلك وجدنا من العلماء من أفرد كتابا ” للمتفق والمفترق ” مثل الخطيب البغدادي وغيره من العلماء، كما أن كتب المتون قد تطرقت إلى هذا الموضوع حتى في منظوماتها العلمية مثل البيقونية وألفية العراقي ، حيث يقول الحافظ العراقى :
ولهم الْمُتَّفِقُ الْمُفْتَرِقُ *** ما لفظه وخطه متــــــتفق لكن مسمياته لعـــدَّةِ *** نحو ابن أحمد الخليل ستةِ ويعتبر المعجم الصغير للطبراني ، من الكتب التي أزالت اللبس في بعض الأسماء المتشابهة ، وتكلمت على الاختلاف الواقع في بعض الأسماء .
من هنا يتحتم على الباحثين التمييز بين الأسماء المتشابهة ،حتى ولوكانت لأشخاص معنوية ، وإزالة اللبس الحاصل بينها ، ومعرفة غثها وسمينها ، تأسيا واستئناسا بنهج السلف ، وإنصافا لأي طرف شريف لأن الاشتراك من مظان الغلط ، وحتى يتبن الخيط الابيض من الخيط الاسود ، خصوصا عندما تكون قضية بحجم ذلك الناظم النضالي الكبيرالذى أصبح جزء من تاريخ مجيد وواقع مشهود ، للعديد من أفراد الطبقة الوسطى وغيرها من النخب السياسية الشريفة ، فى هذا البلد الذى تعمقت القطيعة بين أجياله ، بفعل العولمة والاعلام المضلل والعوالم الافتراضية ، حتى أضحى كثيرمن أبناء وطننا اليوم لا يفكرون إلا من خلال رؤية خصومهم ، ولايعرفون شيئا عن رصيد آبائهم الأخلاقى والسياسى المشرف .
وإذا اطلعوا على جزء من هذا الرصيد فسوف يكون في الغالب مبتورا ومشوها ، مثل ما هوحاصل عند البعض خطأ من أن بعث النظام السوري الذي يرتكب المجازر البشرية ، ويقتل الأطفال بالبراميل المتفجرة والاسلحة الكيميائة ، ويستخدم أسلحة خبيثة أخرى كالتجويع والحصار والتهجير ، هو نفس البعث الأصيل الذى يختلف عن الآخر مطلقا ، سواء من حيث التوجهات أوالانجازات أوالقيادات .
لذلك ينظم الموريتانيون في مثل هذه الايام من كل سنة تظاهرات كبرى تخليدا واحتفاء بذكرى استشهاد الامين العام السابق لحزب البعث صدام حسين ، ويكون من اللافت فيها حضورأغلبية قادة التيارات السياسية التقليدية في موريتانيا ، من اليساريين والإسلاميين والقوميين ، ورؤساء بعض الأحزاب الحديثة ، فضلا عن العلماء وشيوخ المحاظر والبرلمانيين والمحامين والأساتذة الجامعيين والأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين والطلبة والشباب والجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني . ويعتبرهذا الحضورالجماهيري المتميز، الذي يتوحد من خلاله المواطنون الموريتانيون في كل سنة ، تعبيرا رائعا عن امتنان هذا البلد للدورالكبير الذي لعبه الشهيد صدام حسين في الدفاع عن موريتانيا في سنة 1989، فضلا عن ما قدمه لهذا البلد في مجالات الصحة والتعليم ، والإعلام والكهرباء ، مع ما أسداه للأمة العربية من إنجازات كبرى . ذلك أن صدام حسين وهب حياته ومواهبه الفذة في سبيل قضايا الأمة المصيرية وسعى إلى تحقيق اهداف الامة العربية كلها ، وتمسك بالنضال من اجل الوحدة العربية ، وكان بينه وبين المواطنين العرب علاقة تليدة ومتجددة . لقد وقف صدام حسين في وجه إيران ، ومنعها من تصدير ثورتها إلى المنطقة العربية في زمنه على الأقل ، حيث اشتبك معها في حرب طاحنة لمدة ثماني سنوات ، وكان من نتائج هذه الحرب أن انتصر العراق ، بعد أن قبل “الخميني” بوقف إطلاق النار، (شاعرا أنه يتجرع كأسا من السم ) ، لأن عراق صدام حسين شكل عملياً جدارا قوياً في طريق المد الصفوي الإيراني ، رغم الدعم الكبيرالذي قدمته إسرائيل لإيران والذي كشفت عنه فضيحة “إيران غيت” سنة1986 . وقد كانت المعلومات عن هذا الجانب شحيحة قبل أن ينشرها “أوليفرنورث “مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والمسؤول الأول في ترتيب التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران في مذكراته الصادرة 1991 بعنوان ” تحت النار”. غير أن العراق بقيادة صدام حسين قد خرج من هذه الحرب وهو يتمتع بكل أسباب القوة بما في ذلك التفوق في الصناعات العسكرية التي كادت أن تجعل من العراق قوة إقليمية كبرى في المنطقة ، كما يقول حمدان حمدان في كتابه : ” الخليج بيننا قطرة نفط بقطرة دم “.
ومع أن العراق قد شارك في معظم الحروب العربية ضد إسرائيل ولم يعقد أي اتفاقية هدنة معها فإن الجيش العراقي – الذي يشرف عليه صدام حسين شخصيا – هو الذي أنقذ دمشق من السقوط بيد الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر1973 ، ودكت صواريخه بعد ذلك أوكار العدو الصهيوني خلال حرب الخليج الثانية ، وبذلك تكون العراق أول دولة تضرب إسرائيل بالصواريخ ، مع أن ما قدمه صدام حسين للقضية الفلسطينية ، والقضايا العربية عموما لايمكن حصره لأن ذلك يعتبر ” غيضا من فيض” . غير أن القوة العسكرية التي بناها صدام للعراق أرقت كافة الأعداء ، وتم اعتبارها إخلالا بالتوازنات الإستراتيجية ، لذلك أصبح القضاء على صدام والتخلص من حزب البعث من أهم أولويات أمريكا والمتعاونين معها في المنطقة ، كما يقول سعد البزاز في كتابه “حرب تلد أخرى التاريخ السري لحرب الخليج” . أما في العراق فقد ركز صدام حسين بعد أن تسلم حزب البعث السلطة في العراق على تحقيق الاستقرار في وطن مزقته الصراعات ، وقام بتعزيز الاقتصاد العراقي وتطوير برامج التنمية ، وأمم شركة النفط الوطنية ، ونقل العراق الى مصاف الدول المتقدمة ، وقضى على الامية كليا في العراق ، وفقا لتقارير الامم المتحدة ، كما أنشأ واحدة من أحدث أنظمة الرعاية الصحية في المنطقة وكان ذلك سبباً لمنحه جائزة من منظمة اليونسكو.
ومع ذلك منح صدام حسين للأكراد حكما ذاتيا هوالاول من نوعه في المنطقة ، بعد أن أقامت إسرائيل جسر اتصلات مع بعض القيادات الكردية في شمال العراق وقدمت لهم الأسلحة ، وظلت تتعاون في ذلك مع شاه إيران ، وذلك حسب مذكرات وزير الخارجية الإسرائيلي السابق ” ديفد كيمحي” التي نشرها تحت عنوان : “الخيار الأخير” . ونتيجة لهذا كله فقد انتبه كثير من المراقبين الى ان البعث في العراق يتميز عن النظام في سوريا المتستر باسم البعث ، مع أنه تخلى نهائيا عن تحرير الجولان وفلسطين ، وقبل بالاعتراف بالكيان الصهيوني بقبوله القرارين 242 و338 ، كما وقف هذا النظام مع إيران في حرب الخليج الأولى سنة 1980،خلافا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك ، وقطع أنابيب النفط العراقية التي تعبر الأراض السورية من أجل إضعاف العراق ومساعدة إيران في الحرب ، وشارك في العدوان الثلاثيني على العراق الذي قاده حلف شمال الأطلسي في عام 1991، و تواطأ بشكل مفضوح مع إيران التي دمرت العديد من الدول العربية وشاركت الولايات المتحدة في احتلال وتدمير العراق. كما أيد النظام السوري عندما كان عضوا غير دائم في مجلس الأمن القرار رقم 1441 الصادرعن مجلس الأمن عام 2002 الذي يعتبرمن أخطر القرارات الدولية التي بواسطتها تم تدمير العراق ، لأنه يحدد للجنة التفتيش والوكالة الدولية للطاقة الذرية سلطات واسعة تتمثل في تفتيش أي منشأة في أي مكان وفي أي وقت داخل العراق ، واستجواب أي عراقي داخل أو خارج العراق دون حضور مندوب عن الحكومة العراقية ، كما يمنح هاتين الجهتين الحق في تأكيد أو نفي امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل . وبعد الاحتلال الآمريكي الإيراني للعراق قام النظام السوري بالمتاجرة بالمقاومة العراقية والوشاية بها والتآمرعليها ، حيث سلم الكثيرمن قادتها لسلطات الاحتلال ، مع أن هذا ليس مستغربا على نظام يتفنن في قتل وتشريد شعبه ، ويستنجد بالدول والمنظمات الإرهابية من أجل هذا الهدف . لذلك يجب اسقاط وهم وخطأ كبير وهو أن النظام في سوريا نظام بعثي ، بل يكفي أن حافظ اسد نفسه ضرب حزب البعث وقيادته القومية ، حينما انفرد بالحكم عبر انقلاب دموي قبل اكثر من اربعين عاما ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم والنظام السوري يستخدم الاسلوب الطائفي في بناء الدولة ، ويعمل باستمرار على فرض نظام حكم يستند على أقلية طائفية بالتعاون المطلق والخفي مع الإيرانيين في ترسيخ خصوصية الطائفة العلوية بحماية فارسية ، حيث تم اشهار التحالف الشيعي الإيراني مع نظام آل الأسد على المستوى الشرعي والفقهي ، لذلك وقف هذا النظام مع إيران في حربها ضد العراق على أساس هذا المنهج ، واستعان على شعبه لاحقا بطهران ، والمليشيات الطائفية الشيعية والعلوية على أساس أن هذا النظام ينتمي للطائفة النصيرية التي أصبحت علوية بعد أن منحها المستعمر الفرنسي هذا اللقب تمويهاً وتغطية لحقيقتها الباطنية ، وأقام لها دولة أطلق عليها اسم (دولة العلويين) وقد استمرت هذه الدولة من سنة 1920م إلى سنة 1936م.
باباه ولد التراد