باحثون: نفوذ القبيلة يحاصر الدولة في موريتانيا
دعا باحثون موريتانيون إلى تحييد دور القبيلة عن الدولة، وحذروا من عواقب استمرار تأثير سلطة القبيلة على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وأجمع المشاركون في ندوة عن “علاقة القبيلة والدولة في موريتانيا” نظمها المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية لبحث سبل إيجاد صيغة تعايش بين الدولة والقبلية، شرط ألا يؤثر الولاء القبلي على الانتماء الوطني.
حضر الندوة التي افتتح بها المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية أنشطته لسنة 2016، عشرات الباحثين والسياسيين والطلبة الجامعيين، وشهدت نقاشات تتعلق بموضوع القبيلة والدولة الذي لطالما أثار جدلاً واسعاً في بلد لا يزال نفوذ القبيلة مسيطراً فيه. وفي عرضه لمراحل تطور القبيلة والدولة عبر الزمن والعلاقات التي قامت بينهما، قال الباحث الموريتاني بدي ولد أبنو إن هناك اختلافا وتباينا كبيرين في نمط القبيلة اليوم، عما كانت عليه في وقت سابق، معتبرا أن “وجودها كان ضارباً في نشأة الدولة الموريتانية، لكنه بدأ يتغير نسبياً علماً أنه لم يختف مع تغير المفاهيم والحداثة”. وأضاف “القبيلة التي كانت موجودة قبل قرنين ليست هي الموجودة الآن، والقبيلة في الشرق الموريتاني تختلف عنها في المناطق الجنوبية والشمالية”. وتحدث ولد أبنو عن تباين واختلاف الخطاب الرسمي حول علاقة الدولة بالقبيلة، معتبراً أن خطاب الدولة الموريتانية مع المجتمع الدولي مغاير تماماً للوقائع الموجودة على الأرض، حيث يختلف تعاطيها مع القبيلة وتعاظم النفوذ بينهما. كما رأى الباحث الذي يشغل مدير مركز الأبحاث والدراسات العليا في بروكسل، أن القبيلة ظلت موجودة حتى في مجتمعات أوروبا واليابان وغيرها، إلا أنها تحضر بشكل مختلف في موريتانيا. اقرأ أيضاً: موريتانيا: نرفض “تسييس” إغلاق المدارس الدينية وعن تعاطي النخبة مع الدولة، قال ولد أبنو إن السلطة كانت تقدم خطاباً للمجتمع الموريتاني، وخطاباً مغايراً للخارج، واصفا خطاب السلطة بالمزيف، لافتاً في المقابل إلى مساعي النخبة الموريتانية في مرحلة معينة بإقناع السفارات الأجنبية بقضايا معينة، حتى تقنع الأخيرة السلطة بها. واعتبر الباحث البكاي ولد عبد المالك أستاذ الفلسفة في جامعة نواكشوط، أن الدولة والقبيلة في موريتانيا لا يمكن الحديث عنهما بدون النظر إلى السياق الأفريقي والعربي، موضحا أن خصوصية الدولة في موريتانيا نشأت في ظروف صعبة. كما أشار إلى أن البنية الاجتماعية التي لا تزال تحكم المجتمع الموريتاني هي بنية عمودية قائمة على الموروث وليس المكتسب كمحدد لدور المواطن ومكانته في المجتمع، لأنها ليست قائمة على علاقات أفقية تسمح بتحقيق المساواة الحقيقية والعدالة الاجتماعية، معتبراً أن ذلك عقبة كبرى أمام بناء الدولة. بدوره، قال أبو العباس إبراهام، الباحث الموريتاني في الولايات المتحدة الأميركية، إن موريتانيا تعاني حالياً من تحكم القبيلة في الدولة، حيث إن السلطة بدأت تدرك أن استعادة حزب الشعب لم يعد أمراً ممكناً، وهو ما جعلها تستحدث مجموعة أحزاب منها حزب الدولة، حتى تستطيع الإمساك من خلالها بالأطر الاجتماعية التقليدية التي توسعت، وأضحت مستعصية على جمعها في حزب واحد. أما الباحث الحسين ولد أمدو، فلفت إلى أن الدولة في موريتانيا يحاصرها نفوذ القبيلة بمفاهيمها على حساب المواطنة، وبنشاطها الذي ينافس نشاط الدولة أحياناً، مشيرا إلى أنه إذا كان التساؤل يُطرح حول بقاء الدين في المجتمع الغربي، فإنه بالمقابل يمكن أن يطرح السؤال: لماذا بقيت الدولة في موريتانيا