دروس 13 أكتوبر
أغلب الموريتانتيين له تعليقه الخاص، على رصاصات 13أكتوبر 2012، ولكنه يتحفظ في أغلب الأحيان من البوح بما يرى، لسبب أو لآخر.
ومما سمعنا ولم ينشر على نطاق واسع أن هذه الرصاصات تعكس عاقبة الظلم والفوضى والميوعة، فهل هذا التفسير صحيح دقيق؟.
المهم أصحاب هذا الرأي يظنون أن السماء تدخلت، فيد الله تعمل بطريقتها الخاصة، فبعد سجن البرءاء والعنجهية في الحكم، خصوصا بعد خطاب نواذيبو الذي أسيئ فيه علنا لكبار السن، من رموز المعارضة، وأسيئ فيه لبعض السمت الإسلامي، وتواصل نهب المال العام في حيز مافوي ضيق، يتراوح بين المقربين عائليا وسياسيا فحسب، مع غصب الحكم غصبا، بعد انقلابين ومهزلة انتخابات مكشوفة، ربما بعد هذا النزيف المعنوي الهائل، المدمر لهيبة الوطن ومقدراته، جاء القدر ليترك بصمته، وذلك مساء سبت هادئ 13 أكتوبر 2012، فانطلقت عاصفة الحيرة والتساؤلات، وإلى اليوم دون توقف.
ترى هل يكون هذا التأويل كافيا، للإقناع بهذا المنحى، لتحليل بعض ما حدث يوم 13 أكتوبر، وهل نسينا بأن الظلم عاقبته وخيمة، حسب حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ” الظلم ظلمات يوم القيامة”.
إن الله يمهل ولا يهمل، وإذا تأكد مضي النظام الحالي في مسار الظلم والاعتداء والأحادية، فلا غرابة في صحة هذا الشرح السالف الذكر، الذي يروج له البعض.
كما يركز البعض على إهمال الحاكم الحالي لعنصر النظام والأمن، فهو يسافر إلى الفلوات، بعيدا عن قيود الموكب الرئاسي، وما يترتب عليه من حماية وأمان نسبي.
وأما القول بالميوعة والفساد الاخلاقي، فكثر قائله، رغم عدم توفر أدلة إثبات مفحمة، تعزز هذا الاتهام الواسع النطاق، خصوصا في اوساط ساكنة نواكشوط والمدن الكبرى.
وإن لم تثبت هذه الاتهامات، بالتورط في قضايا اخلاقية مجونية، فهي تدل على الأقل، على عدم تنزيه الناس لرئيسهم في هذا الباب القيمي الحساس.
والدروس التي لا يمكن تجاهلها، إثر رصاصات 13 أكتوبر، أن المخزن الحالي، لا يتمتع بالثقة، في أوساط أغلب المواطنين، لأن الرواية الرسمية للحادثة، لم تلق التصديق النهائي، ومازال الجميع، ينتظر قولا أكثر يقينا ومصداقية.
ولقد تبين إثر الحادثة أن من يحكم ليس ولد عبد العزيز وحده، فعلاقته بولد غزواني و”بازب”، بدت شديدة التماسك، ربما لأن الإنقلابات أصبحت عديمة الحظ تقريبا، في الاعتراف الدولي، وقد تكون المصالح المادية والنفوذ، سببا للحرص على إبقاء صاحبهم في دفة الحكم، فامنوا له الكرسي إلى حين عودته.
ومن أبرز الدروس، إثر هذا الحدث الغامض، ما تبين، من أن منظومة القوانين والمصطلحات النظرية لا تحكمنا حقيقة، وإنما الحكم للأقوى على نهج الغابة.
أجل برز جليا، أن الحكم للعسكر وحدهم، وعند مراسيم العودة اتضح ذلك، حين استبعدت الحكومة ومفتي الجمهورية، وبقي المسرح خاليا، للنجوم والنياشين وحدها، فلا صوت فوق صوت البندقية في الساحة الموريتانية، والديمقراطية مجرد حلم تحفه الكوابيس، والمعارضة لا يبشر ضعفها بتغيير مرتقب وشيك.
لقد عاد عزيز، ومن المرجح أن صحته هشة، مازالت تحتاج إلى المزيد من العلاج، وستبقى الأيام والأسابيع القادمة، كفيلة بالرد على مجمل التساؤلات المتعلقة بصحته، ومدى قدرته على القيام بمهامه، دون عجز أو غياب طويل.
ولعل البعض في سياق التأمل في حادثة 13 أكتوبر، كان يتوقع أن يتعظ ولد عبد العزيز، إثر هذه الحادثة الأليمة المريبة حتى الآن، فبعد القوة، أصبح يعترف بضعفه وتحسنه الصحي الطفيف “قليلا قليلا”، طبقا للعبارة الفرنسية التي نطقها في مؤتمره الصحفي المحدود.
وكان من الأجدر به أن يتذكر فعلا، ويقف في دائرة التأمل الناضج طويلا، فبعد فرصة سانحة في العمر والأيام، قد تحدث أشياء كثيرة من إعتلال الصحة والضعف، فهل انتبه عزيز إلى بعض هذه الدروس المتوقعة، وإن بوجه أو بآخر، ليراجع أسلوب حكمه المتعنت الأحادي، فيقبل بالرأي الآخر، أو يستمع له بجد واحترام، ويجدد طريقته في الحكم وتسيير البلاد، إلا أنه بدا صامدا على عناده وانغلاقه، مما لا يبشر، بتغيير كبير أو حتى صغير، في منهجه في الحكم، لتظل محاباة رموز العسكر الكبار، مستمرة ومؤثرة على مسرح السياسة بشكل مباشر، وليبقى نفوذ المافيا العزيزية، متواصلت متصاعدا للأسف البالغ.
فأين استفادته من كل هذا الرصاص المصبوب، وأين موعظته وعقله، وأين حاشيته وصحبه، كل هذا لم يفلح في لي عزيز عن الغرور والاستكبار.
وقد تبقى صحته معرضة للحكايات المختلفة، ما لم تتبع الشفافية الكاملة في هذا الشأن، مما سيؤثر على حالة الدولة، وتعاطي الشركاء الدوليين مع موريتانيا، لتمركز شأن السلطة عندنا في يد الحاكم وحده.
وسيظل رفض السلطات لفتح تحقيق أمني وقضائي كامل حول حادث 13 أكتوبر، مصدر إشاعات وقلق مزمن لدى الجميع.
وكلها أوضاع تؤكد بقاء الحال على حاله، فلا الاستبداد تراجع، ولا نفوذ العسكر تناقص، بل ظهر وتعزز، ولا الشفافية والقضاء اصبحا أكثر حضورا، وإنما هي موريتانيا “اصنادره” والمافيا على طريقتها وطريقها المعروف التقليدي، مما يستدعي نضالا سلميا أكثر وأحزم، وأشدد هنا على عبارة سلمي، لأن تأخر ميلاد النموذج الديمقراطي الشوري المنشود، لا يبرر اللجوء للعنف والخروج على دائرة المسؤولية، والحذر الواعي العميق من الانزلاق نحو المجهول.
فمصير العنجهية واستغلال السلطة إلى زوال، ومع التماسك والنضال السلمي الحازم، سيكتب الله بإذنه الانفراج قريبا إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز.
إن السيد الرئيس جدير بالبقاء مع نفسه وقتا كافيا، عسى ان يتعظ مما حصل يوم 13 أكتوبر، ونقول له هنا في هذا المقام، قبل فوات الاوان، لن تنفعك زبانيتك وحاشيتك، المدنية ولا العسكرية، يوم لا ينفع مال ولا بنون، وإنما هي أمانة هربت منها السماوات والأرض والجبال وقبلها الإنسان الظلوم الجهول، فلتحذر عاقبة الغفلة والمكابرة والإصرار على الخطأ.
لقد أعطى من لا يستحق، ومنع من يستحق، وضاعت المواثيق والقوانين المكتوبة، وأصبح الأمر بيد الأقوى، على حساب الامثل، واضيعت الشورى، وأجلت الانتخابات، واستغلت الموارد، من قبل المقربين، وأقصي الآخرون، بحجة معارضتهم ورفضهم للسكوت، فهل هذا هو العدل.
لقد آن لك أن تفكر وتراجع نفسك ومسارك عسى، وعسى….
فهل أنت فاعل أم رافض للإستماع والتأمل، في خاصيتك نفسك وأمانتك، التي قلدت بها نفسك، بعد أن قمت بانقلابين وتزوير للانتخابات، وبعد ما حصل لك يوم 13 أكتوبر2012
إن كثيرا من رعيتك يكرهون أسلوبك في الحكم، المكرس للتمجيد والخصوصية، ولا يرونك محقا، فهل أنت معيرا إحدى أذنيك، لسماع كلامهم وبعض أحلامهم، في رحيلك السلمي الارجح المنتظر.
إن لم تقبل الاستماع، فأعلم أن يد الله تعمل في الخفاء والعلن، وتعمل بطريقتها الخاصة القوية القاهرة.
شفاك الله، وأبعدك عن هذا الامر، الذي لا تصلح له إطلاقا، فقد أرهقت قوما كثر، لا يهمك صراخهم.
اللهم خلصنا منه، غير فاتن ولا مفتون.
ورده إلى أهله سالما، وول علينا من يرحمنا ويخافك، ويعلم عظم وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، اللهم آمين.
بقلم : عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير الأقصى