هاجروا إلى السنغال فإن بها حكومة تشفق على الناس !!
قررت حكومة دولة مجاورة، نحن “أحسن منها حالا”، ونصدر لها بانتظام الكهرباء، قررت حكومة هذه الدولة أن تخفض أسعار المحروقات على عموم أراضيها ابتداء من يوم غد (السبت)، وهذا هو التخفيض الثاني. نفس الشيء فعلته حكومة جارة أخرى، وهي المغرب، والتي كانت قد خفضت أسعار المحروقات لمرتين. أما حكومة التحصيل والتحايل التي ابتلينا بها، فلا تزال تصر على أن لا تخفض أسعار المحروقات، ولا بأوقية واحدة.
(2)
يمكننا أن نقول بأن الشعب الموريتاني هو الشعب الوحيد في هذا العالم الذي لم يستفد من انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، ويمكننا أن نقول أيضا بأن الحكومة الموريتانية هي الحكومة الأكثر جشعا في العالم، والأكثر تحايلا، والأكثر سرقة لشعبها.
لقد وصل سعر برميل النفط إلى أدنى سعر يصله منذ العام 2003، ولكن أسعار المحروقات السائلة في بلادنا وصلت إلى أعلى سعر لها منذ تأسيس الدولة الموريتانية. ولكي تفهموا كم هي جشعة هذه الحكومة، وكم هي متحايلة، وكم هي سارقة فما عليكم إلا أن تتذكروا بأن النفط كان قد وصل في عهد الرئيس السابق إلى أعلى سعر يصله في التاريخ (147 دولارا للبرميل) ومع ذلك فقد كان لتر المازوت يباع في السوق المحلي ب304 أوقية للتر . أما اليوم فإن سعر البرميل قد أصبح يباع بأقل من 30 دولارا ومع ذلك فإن سعر المازوت يباع في السوق المحلي ب384 أوقية!!
(3)
توقع بعض الخبراء أن يتواصل انخفاض سعر النفط إلى أن يصل إلى 10 دولارات للبرميل، وتوقع البعض الآخر أنه ستأتي على الناس فترة من الزمن يكون فيها الماء أغلى سعرا من النفط، ويتوقع كاتب هذه السطور، وما هو من الخبراء، بأنه لو وصل سعر برميل النفط إلى دولار واحد فإن ذلك لن يدفع بالحكومة الموريتانية إلى تخفيض سعر المحروقات، بل إني أتوقع بأنه، وحتى لو أصبح النفط يهدى مجانا ولا يباع، فإن ذلك لن يدفع بالحكومة الموريتانية إلى تخفيض سعر المحروقات. هذا هو ما أتوقع، ولكن، ورغم ذلك كله، فلا أخفيكم بأني توقعتُ يوم أمس أن تقرر الحكومة الموريتانية، وعلى هامش مجلس الوزراء، أن تخفض سعر المحروقات بمبلغ زهيد، أي ب 20 أو 30 أوقية.
لقد توقعتُ يوم أمس ـ وبشكل عابر ـ أن تخفض الحكومة الموريتانية سعر المحروقات كما فعلت الجارة السنغال، وذلك على أساس أن الرئيس الذي جاء من من عطلة كان قد قضاها بعد الحادث الأليم الذي راح ضحيته نجله كان عليه أن يتخذ قرارا من ذلك القبيل. كما أن الحكومة الموريتانية الخبيرة في التحايل كان عليها أن تخفض سعر المحروقات بعشرين أو بثلاثين أوقية، وهو ما كان سيجعلها تدخل في خانة حكومات المنطقة التي خفضت سعر المحروقات، على الرغم من أن مثل ذلك التخفيض سيبقى عديم الفائدة، فأقل مقدار يجب أن تخفض به الحكومة أسعار المحروقات يجب أن لا يقل عن المائة أوقية.
المهم أن توقعاتي العابرة لم تتحقق، وأن نتائج مجلس الوزراء الذي جاء بعد عطلة الرئيس لم تختلف عن نتائج ما سبقه من مجالس. لم يأت مجلس الوزراء بجديد، مجرد تعيينات عبثية وبلا معنى، ولا تخضع لأي منطق كما هو الحال بالنسبة للمدير الذي تمت إقالته منذ ثلاثة أشهر من الموريتانية للطيران بعد أن تسبب لها في أزمة، ليعين وفي نفس يوم الإقالة مديرا لشركة “سوماغاز”، و هي الشركة التي أقيل منها يوم أمس، وبعد أن تسبب لها في أزمة بتسريح مئات العمال، ولكنه عين أيضا، وفي نفس يوم الإقالة مديرا لميناء نواكشوط.إن هذا لعبثٌ في عبث!!
(4)
لقد تحولت موريتانيا إلى حالة فريدة من نوعها، وهي حالة تستحق الدراسة والتأمل، ففي كل دول العالم فإن الحكومات هي التي تنفق على المواطن، ولكن في موريتانيا فإن المواطن هو الذي ينفق على الحكومة، ينفق عليها من خلال الفارق الكبير في أسعار النفط، وينفق عليها من خلال ما يدفع من ضرائب مجحفة، والتي أثقلت كاهل رجال الأعمال والفقراء على حد سواء. إن الحكومة قد أصبحت تقتات على الضرائب، وعلى بيع الأملاك العامة (المدارس مثلا).
أكاد أجزم بأنه لو حسب ما يدفعه المواطن للحكومة من خلال الفارق في أسعار النفط، ومن خلال ما تفرضه الحكومة من ضرائب مجحفة، وقورن ذلك بما يتلقاه هذا المواطن المسكين من خدمات (صحية أو تعليمية أو…أو )، لو تمت تلك المقارنة لوجد بأن المواطن هو الخاسر في النهاية.
(5)
تبرر الحكومة عدم تخفيضها لأسعار المحروقات بأنها تريد أن تستعيد ما كانت قد أنفقته من أموال على دعم المحروقات. لم أسمع في حياتي تبريرا أوقح من هذا، فهل العلاقة بين المواطن والحكومة هي كالعلاقة بين التاجر والزبون، والتي يحق فيها للتاجر أن يستعيد كل ديونه من الزبون؟ ومتى كان لخدمات الحكومة أثرا رجعيا يسمح لها بأن تستعيد في الحاضر ما كانت قد أنفقته في الأمس على المواطن؟ من المؤكد بأن الحكومة قد استعادت جميع ما أنفقه الرئيس السابق من أموال لدعم المحروقات، ولو كانت الحكومة صادقة في تبريرها، ولو أنها كانت لا تريد إلا أن تستعيد ما تم تقديمه من دعم للمحروقات لهان الأمر، ولتم تخفيض سعر المحروقات اليوم، فالحكومة قد استعادت أضعاف ما كانت قد قدمت من دعم للمحروقات في كل العهود الماضية. لم نعد ننتظر بعد كل هذا إلا أن يطل علينا الرئيس من جديد ليقول لنا بأنه لن يخفض أسعار المحروقات إلا من بعد أن يستعيد ما كان قد أنفقه الرئيس الراحل المختار ولد داداه على طريق الأمل، وأن يستعيد أيضا ما كان قد أنفقه الرئيس ولد الطايع على مشروع “دومسات”.
(6)
إننا كشعب لا نستحق أن نعامل إلا بهذا الأسلوب القاسي والفظ، فللحكومة الحق ـ كل الحق ـ في أن ترفض أن تخفض أسعار المحروقات، بل إن لها الحق في أن تطلب منا أن ننظم مبادرات للمطالبة برفع أسعار المحروقات، وأن نخرج في مسيرات مطالبة برفع أسعار المحروقات، وبسن المزيد من الضرائب.
أكاد أجزم بأن الرئيس لو طلب منا ذلك، لأعلنا عن عشرات المبادرات، ولخرج الشعب عن بكرة أبيه مطالبا برفع أسعار المحروقات، وبسن ضرائب جديدة، وببيع المزيد من المدارس والأملاك العامة. فلنقلها بصراحة: إننا كشعب لا نستحق إلا حكومة كهذه.
(7)
لو استمرت الجارتان السنغال والمغرب في تخفيض أسعار المحروقات، ولو استمرت حكومتنا في رفض تخفيض أسعار المحروقات، لو استمر كل ذلك، فإنه قد يأتي على الناس زمان سيكون فيه من الحكمة والرشاد أن يذهب سكان نواكشوط الجنوبية إلى السنغال للتزود بالبنزين وبالكهرباء، وأن يذهب سكان نواكشوط الشمالية إلى المغرب للتزود بالمحروقات. أما سكان نواكشوط الغربية فما عليهم إلا أن يلعنوا حظهم العاثر ويشربوا من ماء البحر، بل إن الشعب الموريتاني بكامله ما عليه إلا أن يلعن حظه العاثر ويشرب من ماء البحر.
(8)
رغم كل ما سبق فإنه لا يحق لنا أن ننتقد الحكومة الموريتانية دون أن ننتقد الشعب الموريتاني، فكلاهما شريك في هذه المأساة التي نعيشها اليوم.
لا يحق للشعب الموريتاني أن يطلب من الحكومة الموريتانية أن تكون كالحكومة السنغالية، ولو أنه طلب منها ذلك، لحُق للحكومة الموريتانية أن ترد على الشعب الموريتاني قائلة وبتهكم وسخرية: وَلِمَ لا تكن أنت كالشعب السنغالي؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل