قضيتي والإمارات…فرصة لطي ملف الماضي
في سنة 2003 توجهت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أمضيت هناك أسبوعين، وبعد ذلك في سنة 2007، قررت التوجه إلى الإمارات مجددا قبل استفحال شكوى بوعماتو، وكان قراري موفقا-حسب سياق الحدث-، لأني حصلت على تأشيرة للإمارات، وبسهولة، في وقت –كما قلت- لم تظهر فيه بعد ملامح التوريط المتعمد القاسي.
وعندما علمت بصدور الحكم الجائر ضدي: سنة نافذة و300 مليون أوقية “أكثر من مليون دولار وقتها”، قررت التوجه إلى دبي، وبعد أيام قليلة من وصولي إلى دبي، ورطني بوعماتو “المافيوي” وبعلاقاته الواسعة، وخصوصا من خلال “كريم واد”،نجل الرئيس السنغالي السابق، مع بعض الإماراتيين، فحول الملف المفبرك كاملا إلى حيث أقيم عبر “الإنتربول”، لأنه كيِف على غير عدل طبعا، إلى تهمة وعقوبة جنائية، رغم عدم صلة النشر في جريدة “الأقصى” بالجانب الجنائي، وتهمة “الإبلاغ الكاذب”.
فما تجاوزت النشر، ولا أبلغت جهة إدارية أو أمنية أو قضائية أو داخلية أو خارجية بالموضوع ذي الصلة غير المباشرة بملف المخدرات الحرج، وإنما إكتفيت بالنشر في جريدة “الأقصى” التي أديرها، كاملا، في باب النشر والتحرير معا.
وكان الأنسب طبعا محاكمتي على ضوء قانون الصحافة، ولا صلة لهذا القانون المختص بالنشر، بتهمة “البلاغ الكاذب” في القانون الجنائي، ولكن قدر الله وما شاء فعل ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
وأدنت في موريتانيا قبل خروجي إلى دبي بساعات، غيابيا بحكم قضائي في غاية الغرابة، وأكبر غرامة في الكون ضد أي منتج معرفي بالحروف بأي لغة كانت، سنة نافذة و300 مليون أوقية “أكثر من مليون دولار وقتها”.
ثم سلمت بعد إقامة سنة و23 يوما بالإمارات “كانت سبعة أيام منها في بيروت”، إقامتي في الإمارات من يوم 7 نوفمبر2007 إلى يوم تسليمي إلى سجون موريتانيا، في 30 نوفمبر2008، مرورا بالعاصمة التونسية التي هزها الموضوع وأستنكرت على الموريتانيين عدم إبلاغها بمروري عبر أجوائها.
وقد عانيت أكثر نفسيا –عندما نزعت ملابسي بالإمارات أمام شرطي إماراتي نيبالي الأصل- عند بوابة أحد السجون في “الوثبة” 60 كلم من أبوظبي العاصمة.
وقد رجعت للإمارات سنة 2011، حيث أعلمت من طرف السلطات الأمنية بمطار دبي، صباح تسليمي إلى موريتانيا وأنا مرفقا بوفدين، موريتاني صاحبني إلى نواكشوط، وإماراتي أمني بالملابس المدنية البيضاء الزاهية، ودعني في مطار دبي.
أقول قال لي أحد الضباط الإماراتيين، وأنا مشغول نفسيا،وهو لا يستغرب حالتي، اقترب مني وقال بأدب وسرعة لا مانع من رجوعك متى شئت بعد اغلاق الملف في موريتانيا.
ولكن كتبت في الموضوع بصراحة في أوقات متعددة، سواء شقه الداخلي أو الخارجي، وأقول مجددا قبل توجهي الآن إلى دبي، إن شاء الله، الإمارات الطيبة شعبا وسلطة، وُرطت في الموضوع الكبير الثقيل دنيا وآخرة، بسبب حيل بوعماتو وعلاقاته هو وصاحبه السينغالي، ابن الرئيس السينغالي السابق، المسمى –أي الإبن-كريم واد.
أما وقد حصل ما حصل، فإني أشعر بجرح غائر في نفسي، ولا رغبة لدي في أي شكوى قضائية، ضد أي جهة خارجية، وخصوصا ببلدي الثاني الإمارات العربية المتحدة، الجميلة الهادئة، ولكن “الناس تـَـتْخالصْ فعـْقوله”، كما يقال في المثل الحساني عندنا في موريتانيا.
عسى أن نتجاوز بعض آثار أول حالة تسليم “انتربول”، لصحفي عربي مسلم، من دولة الإمارات العربية إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
أجل، الاعتذار والتعويض عسى أن ينسي، بعض مرارة الظلم، الذي وقع علي من طرف الشاكي بوعماتو وغيره من الأنظمة والدول، رجل الأعمال هذا المثير، والذي تجاوز ببعض قضاته ومحاميه قانون الصحافة إلى القانون الجنائي.
ولو أُدنـْتُ ظلما في حيز قانون مهنتي لما وصل الأمر عندي إلى هذا الاعتراض المشروع البين الحجة والخلفية، وإنما حمل الموضوع ما لا يحتمل وما لا يمكن صبره بسهولة.
لقد تضررت في الداخل وخارج الوطن، وشوهت سمعتي الشخصية وسمعة الصحافة الموريتانية من خلال تجربتي الخاصة، في سياق واضح هابط من التجريم بالقرابة، لأني أحد أبناء عمومة معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، وأحد الرافضين وبصورة أو بأخرى على الصعيد السياسي بطريقة سلمية إعلامية لهذا الإنقلاب المفاجئ يوم الأربعاء 3 أغسطس2005 في موريتانيا، والذي أطيح على إثره بمعاوية من طرف بعض أقارب ولد بوعماتو، وعزز بوعماتو إنقلابهم معنويا وماديا وداخليا وخارجيا عبر صلاته الواسعة بمافيا “فرانس آفريك” وغيرها من الشبكات في الوسط الإقليمي الإفريقي المجاور وغير ذلك طبعا.
وجن جنونه، حتى وصل لأحد أصحاب الأقلام، الأكثر جرأة وثباتا بإذن الله وتوكلا على الله.
وأقول ذلك بعيدا عن الغرور والعجب والكبر من باب أولى، وإنما المقام يلزم بالإعتراف بنعمة الله علي في هذا الصدد، التاريخي المجلجل، المعنوي والإيماني، لله الحمد والمنة.
لقد أدخلت نفقا مظلما، وخرجت منه سالما غانما بالعافية والعبرة وبكثير من الدروس باختصار. ورب محنة منحة، من الله وحده، ورب منحة محنة، استدراجا وقصاصا من الرحمن، كما قال الضرير الأعمى الصالح والخطيب الأشهر في القرن العشرين المصري المفوه الشيخ عبد الحميد كشك “إن يد الله تعمل بطريقتها الخاصة”.
واليوم أفتح فرصة لإخوتي الأعزاء الإماراتيين، قائلا: “أرض الإمارات المعطاء لا شأن لها بنزاعي مع رجل الأعمال المثير، محمد ولد بوعماتو وما كتبت حوله بالحرف في مدخل المقال في العدد242، من جريدة “الأقصى”.
أقول كتبت في مدخل المقال المثير بامتياز أيضا: “معلومات غير مؤكدة وفي المقابل لا يمكن نفيها”.
وتحدثت بلباقة عن الموضوع دون أن أتخلى عن معلوماتي الحساسة جدا، وتوظيفها بتوازن وقد لا يخلو الخطر بالخوض في معمعان الأمور الكبيرة.
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
وقال شاعر آخر:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
وهذه المعلومات لو لم أكتبتها ربما لسئلت عن كتمانها يوم القيامة لم كتمتها؟. وما تجاوزت تلاعبا بعرض الرجل، رغم أنه شخصية عمومية، بحكم مستوى تأثيره في البلد الموريتاني وقتها وخارج البلد حتى لمن يعرفه بدقة مثلي.
أقول مجددا، الإمارات وُرطتْ في الموضوع ولا رغبة لها أصلا في إيذائي، وأعتذر عن أي زلة لسان أو قلم في حقها، تحت ضغط الإحساس بالظلم، والذي وصل إلى الزنزانات الانفرادية والتجريد من الملابس.
والله يقول في هذا المعنى: “لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا”.
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية، جاز له السب.
وفي المقابل أدعو الإماراتيين لتقديم الاعتذار وما تيسر من تعويض مادي لائق بحجم الأضرار.
وهذا خير لهم، فأنا لا أريد المادة والمصالح الضيقة، ولا أخاف إلا الله، والله خير حفظا وهو خير الرازقين.
لقد كتب الله في أزله أن الفقير إلى ربه يوم 30 نوفمبر2008، سلم من سجون الإمارات صباحا قبل طلوع الفجر وبعد أن صلى في مطار دبي صلاة الصبح.
أقول سُلمتُ إلى سجون نواكشوط، بعد نهاية الرحلة المثيرة، التي مرت بالعاصمة التونسية تونس، وسلمت إلى سجن نواكشوط الرئيسي بمقاطعة دار النعيم، في جو من محاولات الاغتيال الفاشلة والتعذيب المعنوي والأزمات الصحية دام عدة أشهر. وسلم الله وقدر وما شاء فعل. وتواصل هذا الوضع إلى حين خروجي من السجن يوم الأربعاء 8-5-2009 بعد عفو رئاسي توجه بعده مباشرة ولد عبد العزيز إلى مدينة أطار مسقط رأسي يوم الخميس الموالي9-5-2009.
ومازال الشق المتعلق بالإنتربول دون تعامل من طرفي “ردة فعل قضائية”. وقد أسافر في أي وقت بإذن الله، إلى فرنسا أو بلجيكا لرفع دعوى ضد جميع المعنيين بتسليمي الجائر عبر “الإنتربول” يوم 30 نوفمبر2008.
أقول جميع المعنيين، بدءا برجل الأعمال الظالم محمد ولد بوعماتو و”انتربول” نواكشوط و”انتربول” الإمارات، لكني لن أفعل مهما كانت النتيجة بالنسبة للإنتربول في الإمارات والذي تم توريطه، أقول مهما تجاهل الإخوة الإماراتيون عرض الصلح في الملف الخطير الكبير.
فهؤلاء الإماراتيين ورطوا، ولدي معلومات في هذا الباب لن أنشرها، حرصا على العلاقات بين الشعوب والدول.
وبإيجاز سأسافر بإذن الله إلى إخوتي في الإمارات لهذا الغرض، ولغرض الإستجمام المشروع البريء إلى دبي الجميلة الهادئة، حيث ذكريات كثيرة مع بعض المساجد والمواضع اللائقة بي، وسأقيم أسبوعين بإذن الله، عسى أن تكون فرصة لمن أراد الصلح، والصلح خير، وإلا فإني سأغلق طوعيا ما يتعلق بالإمارات دولة وشعبا من هذا الموضوع والملف الخطير التاريخي، لرفع غضب الله الذي رأيته قبل تسليمي على إثر هذا الظلم الداخلي والخارجي، وعسى أن تخف بعض جوانب الفتنة في المشرق التي آذنت بقيام القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقدر الله وما شاء فعل.
اللهم قد بادرتُ إلى مصالحتهم، فألهم القبول وعدم التجاهل.
لقد غضب الرحمن من نزع ملابسي ظلما وعدوانا، وسيرضيه سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم جدي رؤيتي مكرما، حيث أهنت وأحتقرت وصبرت لوجه الله، وتجاوزت اليوم لوجه الله غير هياب ولا وجل، إلا من ما يخالف الشرع الحنيف ويجلب سخط الرحمن ويجانب رضوانه.
“وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا” والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”