وهم التحضر و سمات التخلف؟/الولي ولد سيدي هيبه
هل يصدق في حال البلد منذ استقلاله ذاك الرأيُ القائل بأن الدولة المتخلفة هي التي لا يعرف سياسيوها و نخبها و قادتها و شعبها ماذا يريدون وما أهدافهم في الحياة و أنهم يواجهون المشاكل مجزأة بمعنى أنه كلما ظهرت مشكلة انبروا إلى محاولة حلها، و أما المشاكل الكامنة فلا يتطرقون إليها عن عدم إدراك أو عن سذاجة. و في كل الأحوال فالنتيجة تكون واحدة بحيث يظل تراكم المشاكل يزداد بمرور الوقت تعقيدا بينما المرموقون في الدولة المتخلفة المستفيدون بالاستئثار المادي يظل تعاملهم مع الأحداث والمشاكل سطحيا غير آبهين بتدهور أحوال المجتمع والمواطن من حولهم باستمرار؟ و هل ينطبق الرأي القائل كذلك بأن تخلف الدولة نتاج طبيعي لشعب متخلف و الذي من سماته الأولى أنه أفرز دولة متخلفة يتعامل فيها الجميع، من النافذين في السلطة و من السياسيين من كل التوجهات و الإفرازات و الطموحات، الشعبَ باحتقار وتعال معتبرين إياه مستعبدا لهم و منوطا به طاعتهم و خدمتهم و أن ليست له حقوق كما لدى شعوب الدول الغير المتخلفة، و أنه بهذا يهان المواطن ببساطة في الشارع من جهات السلطة و في كل المؤسسات التابعة و من المنظمات الخاصة بكل لون طيفها حتى؛ و أنه من سمات الشعب المتخلف أيضا أن يظلم بعضه بعضا و يتسيد عليه و يقهره و يأكله حتى أن الذي كان مقهوراً يقوم بقهر الآخرين بمجرد أن تتاح له الفرصة، و هي ظاهرة بارزة في كل الشعوب المتخلفة تتطلب العلاج العاجل من الحكماء و المدركين الذين سلموا ضمن عامة أهل البلد من شهوة الظلم و الافتراس. و هل ينسحب ذلك الرأي الثالث القائل بأنه من الظواهر المختلة لدي الشعوب و من سمات دولها المتخلفة: · أن نوابها الذين يمثلونهما في غرف البرلمان و كذلك ممثلي توجهاتها السياسية و المدنية في الأحزاب و النقابات و المجتمع المدني و الحقوقي هم أكثر الناس حرصاً علي نيل المزايا، · و أن رجال القانون حماة العدالة يرتكبون ما يفترض أنهم منزهون به عن مسالك الظلم و فجاج المحاباة، · و أن أفراد الشعب يتوقون دائماً إلى مخالفة القواعد والنظم و يتصادمون مع بعضهم البعض في كل دروب الحراك الذي هو قوام الحياة فيتشاجرون و يتشاتمون ثم لا يتركون في كل وقت وكل مكان وكل ظرف فرصة للتقاسم أو التكامل أو التلاقي. · و أن المؤسسات التعليمية ضعيفة المظهر فيما قياداتها التربوية تحمل مؤهلات أكاديمية، ولكن العقلية موغلة في التخلف تكاد تكون كمن يحمل أسفارا دون جدوى، وقيمة تربوية تظهر في المؤهل العالي دون أن تتجلى في الجانب العلمي والأخلاقي، تربية رثة قد تؤول إلى تغييب للعقل، وتقييد للإرادة و تكريس للجهل و التخلّف المعرفي والتأخر العلمي والإفلاس الحضاري حتى ل يعد يؤثر الدين ولا تقوّم الثقافة ولا يهذّب الوعي. و هل يستوي بالمنطق رأي يجزم هو الآخر أن من مظاهر و سمات الشعوب المتخلفة كونها التي تفرز من رحم أنظمتها الاجتماعية القبلية و الاثنية و الترابية حكوماتها التي تعجز عن حل مشكلة في التعليم أو الإسكان أو ذات صلة بالمجاري أو مياه الشرب أو الكهرباء أو المرور؛ حكومات لا تحافظ على ثروات بلدها الطبيعية و فيها من يبددها بموات الضمير و غياب الوازعين الوطني و الديني؛ حكومات يتعالى أفرادها و في عقوق سافر عليهم شعوبا لا تقدر على المقاومة لتغييرها. و أما أحزابها و منظمات مجتمعها المدني التي هي مرآتها الأخرى العاكسة لحالها و أوضاعها فلا تستطيع مقاطعتها أو الصراخ في وجهها. إذا لم تكن تنطبق على شعب و أحوال البلاد منذ استقلالها قبل أزيد من نصف قرن كل الموصفات في مجموع الآراء الواردة فبماذا يمكن أن يتسمي الوضع الذي لا يجاري تحولا و المتسم بالبعد عن سمات التحضر و أساليب المدنية و السير بمقومات و أسباب البناء و الجدارة إلى آفاق استواء العود و المضي بوعي في ركب الأمم الساعية بلا توقف إلى فضاء العولمة و آفاقها الواعدة؟ و بماذا يمكن وصف مظاهر الفوضى العارمة التي تتصف بها الحركة اليومية للمواطنين التي تجري على غير هدى، و ما يكتنف المرور من غياب النظام و سير المرافق العمومية بلا ضوابط، و الأحزاب السياسية من بعد البصيرة النافذة و معالم الجد و انعدام البرامج المقنعة و ضعف الحطاب السياسي و غياب المنهجية التطبيقية؟ و بماذا يمكن أيضا تفسير عدم استجابة الإرادة الوطنية التي يفترض بها أن تستوطن كل النفوس لدواعي الحوار المنطقي الملح في ظرف يتسم بضعف الأمن العالمي و انتشار النزعات الانفصالية على إيقاعات تمزق الأنسجة المجتمعية و انتشار الدعوات التمييزية الإيديولوجية و المتخذة من الدين مظلة بكل المبررات الواهية؟ إنها أسئلة، بحجم علامات التخلف و سمات الضعف التي تنتج عنها، لا بد أن تطرح عسى و لعل تجد ردودا شافية. فمن يرد الأول بلا تردد و بجرأة تحمل و لو تصورا للحلول النافذة؟