بصمة الغش القبلي، السياسي، التعليمي، الضريبي
لن ترجع الأنفس عن غيها *** ما لم يكن منها لها زاجر
مر النبي صلى الله عليه وسلم على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال : أصابته السماء يا رسول الله. قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني”، وفي رواية “من غشنا فليس منا”، وفي رواية “ليس منا من غشنا” ـ رواه مسلم ـ
عرف الغرب الغش في المعاملات الحديثة أنه “أي تصرف بالخداع يؤدي إلى الإضرار بمصالح عملاء شركات الأعمال أو مستهلكيها أو الإضرار بمساهميها”، كما عرفته لجنة (تريدواي) الأمريكية بأنه في التقارير المالية هو السلوك المتعمد سواء كان بالارتكاب أو الحذف أو عن طريق الإهمال الذي ينتج عنه قوائم مالية مضللة بصورة جوهرية وأن الغش ينطوي في القوائم المالية على عديد من العوامل ويأخذ العديد من الأشكال مثل التحريفات الجسيمة في سجلات المنشأة أو التزييف أو الاصطناع في العمليات كإثبات عمليات وهمية أو تطبيق خاطئ للمبادئ المحاسبية.
و لأن الغش ظاهرة تدل على سلوك غير سوي، منحرف وغير أخلاقي، فهو كذلك سلوك مرضي يهدف إلى تزييف الواقع لتحقيق كسب مادي أو معنوي أو سلطوي، أو من أجل إشباع بعض الحاجات أو الرغبات لدى الفرد على حساب المجتمع. و هو من الناحية الأخلاقية كالكذب و الرياء و الخداع يدل على الغل و الحقد والخيانة.
و من الناحية التربوية فإن الغش هو عملية تزييف نتائج التقويم و محاولة غير سوية لحصول التلميذ أو الطالب على الإجابة عن أسئلة الاختبار باستخدام طريقة غير مشروعة.
و أما علماء الاجتماع فيعرفون الغش ـ الذي هو سلوك يهدف إلى تزييف الواقع لتحقيق كسب غير مشروع مادي أو معنوي أو إرضاء لحاجة نفسية ـ بأنه ظاهرة اجتماعية منحرفة لخروجها عن المعايير والقيم الاجتماعية المتعارف عليها و ما تتركه من آثار سلبية تنعكس بصورة واضحة على مظاهر الحياة الاجتماعية و العلاقات بين الأفراد. أما و قد اختلطت كل حالات و علامات الغش بجميع أوجه المعاملات الحياتية في الدولة المركزية منذ لحظة وجودها و استقلالها معا، فإن أوجها و أنواعا منه خلخلت ـ عند أول فرصة حلت مع نشأة التعاطي السياسي و ظهور الدوائر التسييرية للأموال العمومية و المؤسسات الربحية ذات النفع المرتبط بمقدرات البلد و سلطاته التسييرية و التوجيهية ـ أركانا بالكاد وضعها المستعمر الذي سلم لتوه زمام البلاد إلى نخبة مواطنيه يومها؛ خلخلة أدت إلى اضطراب فوري مبتكر تمخض عن غش قبلي ركب السياسة مطية فابتلت ببلواه التى أنتجها الغش السياسي الذي غشي بدوره نضالات الأحزاب حتى أن تماهت مع حزب الشعب الواحد قبل أن ينال من عنده الغشُ من الحركات السياسية و يبصم عليها بالعشر لتحمل عدواه كاملة و عمدا إلى الحركات الانقلابية المتوالية فتكرسه بدورها أسلوبا قائما يجد كل السبل سالكة إلى كافة مفاصل المجتمع المدني لتَلبَسه اختيارا و تعتمده أسلوبا محبذا ومنهجا عمليا متبعا. و هو ذاته الغش القبلي/الجهوي بحكم تركيبة المجتمع، و السياسي/”المحاصصي” بحكم انفصام الأقمار الطبقية (الأرقاء، اللحمه، لمعلمين، إيكاون) عن جوهر القبيلة، الذي يلقي بدثاره على الغش التسييري ـ في سجلات و شؤون القطاعات و الإدارات و المنشآت، أو التزييف أو الاصطناع في العمليات كإثبات عمليات وهمية أو تطبيق خاطئ للمبادئ المحاسبية ـ فيُرى أن ثبات قاعدة التقسيم الوظفيي في دائرة التعيينات و التسيير ظَل راسخا رسوخ الجبال رغم كل العواصف التي عصفت بالبلاد و التغييرات التي حلت بها، و لا تكاد تستطيع الأحكام مهما حسنت نواياها دحضه أو حتى الحد منه لقوة استقراره في العقليات و في صميم آلية ترجمته في واقع الحال. و هو ذاته الغش المرضي الذي: · طال التعليم حتى هوى إلى الحضيض، و قيض الحراك التنموي حتى اختلت موازينه، و فتح واقع الشباب المر، مُتعلما و مُتكونا و من غيرهما، على أشكال و ظواهر البطالة و سلوكيات التخلف و الضياع، · و أفسد المسار الاقتصادي فتعثر مجال الأعمال و غاب التصنيع و التحويل و انحطت التجارة و غزت البضاعة الرديئة و عم الاحتكار و طُفف الكيل حتى لم يعد الخبز إلا حشوة خواء، و إذْ لم يكن واقع الحال يوما و منذ الاستقلال إلا موصوما ببصمة الغش القبلي، الجهوي، السياسي، التعليمي الضريبي، فإنه لم توجد في أية لحظة كذلك أنفسٌ تزكى فترجع عن غيِّها و تأبى لوضع مرير أن يظل قائما يشقى معه الشعب و يذبل الكيان.
الولي ولد سيدي هيبه