قصص للكاتب الإيطالي دينو بوتزاتي
الرسل السبعة
قررتُ كوريثٍ لمملكة أبي، وأنا في الثلاثين من عمري، أن أتقدّم وأحدد أين تقع حدود مملكة أبي؛ لأنّ أحدا لم يفعل ذلك من قبل. اصطحبتُ معي سبعة من رجالي الموثوق بهم الذين سميتهم حسب الترتيب الهجائي للحدّ من الارتباك. كانت أسماؤهم: «أليساندرو»، و»بارتولوميو»، و»كايو»، و»دومينيكو»، و»أتوري»، و»فدريكو»، و»جريجوري».
ارتحلنا بعد الاحتفال بعيد ميلادي الثلاثين سعيًا وراء تحقيق هذا المسعي الذي لا يعرف الكلل. ذهبنا، في البداية، عبر الجبال والأنهار التي كانت مألوفة لنا. وبعد نحو ثلاثين يوما، أعدت «أليساندرو» حاملاً رسالة عن ترحالنا، وكان عليه عند عودته أن يقدّم لنا تقريرا لما عرفه من أخبار مملكتنا. واصلنا السفر بعيدا عن محور المملكة، ولم آخذ في الاعتبار بشكل صحيح الوقت الذي سيستغرقه «أليساندرو» في السفر إلي المملكة ثم العودة إلي موقعنا الذي يتمدد متوسّعا باستمرار، وقد استغرق «أليساندرو» نحو ثلاثة أشهر في تلك المرحلة للوصول إلينا بأخبار المملكة. ثم أرسلت «بارتولوميو»، وكنّا قد أمضينا عندئذ ستة أشهر من ترحالنا، ففكّرت في مواصلة إرسال رسول كلّ بضعة أشهر، لكني كنت أعرف تمام المعرفة أنه قد تنقضي أعوام قبل أن أري عودته مرّة أخرى، لذلك كنت مترددا في أن أرسل «جريجوري» قبل أن يعود «بارتولوميو»، وقد تطلب الأمر من «بارتولوميو» نحو سنتين قبل أن يعود إلينا من المملكة مع مخطوط ذاو بأخبار عفا عليها الدهر. كنا قد ارتحلنا منذ سنوات عديدة، وقد بلغتُ الستين من عمري الآن علي هذه الأرض، وكنت أعرف وأنا في هذا العمر أنّ «دومينيكو» آخر رسول لي قد لا يعود قبل موتي، ومع ذلك أرسلته كي يخبرهم عن مكان وجودنا بينما نحن نواصل رحلتنا دون أن أعرف متى قد أغنم أي أخبار عن مملكتنا حتى وإن كانت قديمة جدا ولا طائل من ورائها، كان والدي قد توفي فعلا إضافة إلى أنني لم أره منذ نحو ثلاثين عاماً، وتولى أخي أمور العرش؛ لأنني كنت غير موجود بسبب هذه الرحلة التي تتوسع باستمرار. أنا لا أعرف في الحقيقة ما إذا كنا قد اجتزنا الحدود أم لا,. ولا أعرف في الواقع ما هي الحدود الفاصلة بين أرض والدي وما يبدو من ورائها، كنّا قد واصلنا السفر فحسب ربّما دون طائل للعثور على تلك الحدود، وما زلت أتقدّم مغامراً كي أجد تلك العلامة من أجل المملكة.
أسوار مدينة (أناجور)
كان هناك رجل يسافر وسط منطقة «التبت» عندما سأله الدليل عمّا إذا كان يودّ أن يري مدينة «أناجور» الشهيرة. أجاب الرجل بأنّه لم يسمع أبدًا بمدينة «أناجور»، وفتح خريطته حتى يعرف موقعها لكن تعذر عليه تحديدُه. أوضح الدليل أنّ الحاكم الحالي قام باستبعادها من الخرائط؛ لأنّه لا يعتقد أنّ عزلة مدينة «أناجور» جديرة بلفت الانتباه. عندئذ قال الرجل: إنّه سيكون مهمًّا رؤية هذه المدينة المثيرة للاهتمام. ثم أوضح الدليل أنّ هذه المدينة معزولة تماماً، واشتهر سكانها بأنّهم سعداء للغاية، وهم يعيشون حياة مدينة فاضلة. انطلق الدليل والمسافر مبكّرا في نحو الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي وسط ظلمة قاتمة استمرت لساعات حتى وصلا إلى أسوار المدينة، فسأل الدليل الرجل: - ببساطة، ألا تعجبك هذه الأسوار الجميلة؟ - نعم، لكن كيف ندخل إلي المدينة؟ - حسنا، إننا لن نستطيع؛ لأنّ هناك مئات من بوابات الدخول لكنها مغلقة جميعًا، ولن نستطيع أن نرى سوى بوابة واحدة؛ لأنّ كلّ واحدة منها منفصلة.
العظيم مورو
يدخل رجل رثّ الثياب زنزانةَ سجن مظلمة، فيسمع خلال فترة سكون بعض أصوات خافتة.. يتساءل الرجل: - هل هناك أحد؟ - نعم، إنني «أليساندرو» المغتصب. - وأنا «جريجوري» القاتل. - وأنا «فرانسسكو» اللص. ثم يتردد صوت شخص ما في الظلام مستفسراً: - ومن أنت، يا صديقي؟ أجاب الرجل: - حسنا، إنني أدعي «العظيم مورو». صرخ شخص ما: - ماذا تقول أيها العجوز؟ كيف تكون عظيماً وقد جئت إلي هنا؟ - حسنا، لست أنا من اختار الاسم لكنه منح لي.. دعوني أحكي لكم قصتي. لقد تجوّل «العظيم مورو» المتشرّد طويلا أمام بوابات شخص من النبلاء، شديد الثراء، يمتلك عديدا من الخدم، وحين لاحظه أحد الحراس صرخ مستغيثاً: - هذا هو اللص الذي سرق أموال سيّدنا بالأمس. اقبضوا عليه. سأله الحارس عندما أمسكوا به: - ما هو اسمك الذي سنخبر به سيّدنا؟ - إن اسمي هو «العظيم مورو». انتفض الحارس: - ماذا تقول؟ إن ذلك هو اسم سيدنا. كيف تجرؤ علي السخرية منه؟ وعلى الفور اقتاده الحرّاس إلى حضرة السيّد الذي شرحوا له الوضع، فصاح ضاحكاً: - هذا أمر مضحك للغاية. لقد كنت أتجوّل شخصيا في أرض أجنبية مقدّما نفسي بأنني «العظيم مورو»، وعند سماع ذلك قبضوا عليّ وذلك لعرضي على عالم عظيم، وقد سمعت واحداً من الناس يصيح محتجاً «كيف يمكن لرجل غني أن يعتبر عظيما بينما «مورو» العظيم هو الذي تقدّم في ميدان العلم والمعرفة الإنسانية، وهو وحده الذي يعتبر عظيماً. عند الوصول إلى قلعة العالم، صاح العالم ضاحكاً: - أوه، لقد حدث لي هذا ذات مرّة عندما كنت أتجوّل في أرض بعيدة تدعي «أوربا»، أن سألني شخص ما كيف يمكن لعالم غبي أن يشترك في الاسم مع المقاتل الرهيب «العظيم مورو»، وسرعان ما قيّدوني واصطحبوني إلي المحارب العظيم. حكي المحارب حكاية مماثلة عن الكيفية التي زار بها أرضا أخري حين سئل من قِبل سكانها المحليين: «كيف يمكن لمحارب متعطش للدماء أن يستخدم اسم «العظيم مورو»، زعيمنا الديني، الذي هجر كلّ مباهج الحياة. وأوصلوه إلي كوخ صغير لناسك عجوز، وعندما رأي المحارب الناسك العجوز اكتشف أن حياته هي التي ينبغي أن يأسف عليها، وانحني احتراماً أمام الرجل المتواضع الذي يحمل الاسم نفسه. عندئذ سأله زملاؤه السجناء: - إذن، هل أنت «العظيم مورو»، الناسك المشهور؟ ضحك العجوز، رثّ الثياب، وأجاب: - هكذا، هي الحياة عجيبة دائماً!
دينو بوتزاتي